للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد يكون الوحي غير قرآن. كما في الحديث: "أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم -: كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جبّة، بعدما تضمخ بطيب؟ فنظر إليه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعة ثم سكت، فجاءه الوحي ...... فقال - صلى الله عليه وسلم -: أما الطيب الذي بك فاغسله، وأما الجبّة فانزعها، ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك" (١).

وكما حصل في موقعة الأحزاب. فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد رحيل المشركين "وضع سلاحه واغتسل، فأتاه جبريل فقال: "قد وضعت السلاح؟ والله ما وضعناه، اخرج إليهم". قال: "فإلى أين؟ " قال: "ها هنا" -وأشار إلى بني قريظة- فخرج النبي - صلى الله عليه وسلم - إليهم" (٢).

وهذا النوع كثير لا يخفى على من له خبرة بالسيرة النبوية الشريفة. وهو متفق عليه بين كل المؤمنين برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، إذ لا بد منه لتحقيق الإيمان بالرسالة.

ثم إنّ ما كان من الوحي قرآناً، فإما أن يكون نصاً في المسألة، فلا يحتاج إلى إعمال فكر ونظر، ومنه ما يحتاج إلى ذلك، فهذا الفكر والنظر في ما يحتاج إليه من الوحي ندخله في النوع التالي وهو الاجتهاد.

الثاني: الاجتهاد. فإذا أقرّه الله تعالى عليه كان ذلك من الله تعالى بياناً لكونه اجتهاداً صائباً. ومن أجل ذلك سمّى الحنفية الأول الوحي الظاهر، وسموا هذا الطريق: الوحي الباطن (٣).

[والاجتهاد أنواع]

الأول: اجتهاد في دلالات الألفاظ الموحى بها إليه - صلى الله عليه وسلم -، من المجمل والمشترك، والحقيقة والمجاز، والعام والخاص، وغير ذلك. فيجتهد فيها بما يعرفه من لغة قومه، وأساليبهم في القول، لأن القرآن بلغتهم نزل ليبيِّن لهم.


(١) رواه مسلم.
(٢) رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة (جامع الأصول ٩/ ١٩٩).
(٣) أصول البزدوي ٣/ ٩٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>