للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأهليّة (١)، وقال: إنها ركس" (٢). وقال في القنفذ: "إنه خبيثٌ من الخبائث" (٣). فالظاهر أن ذلك كان باجتهاد منه، ومن الممكن أنه - صلى الله عليه وسلم - رآها داخلة في قوله تعالى: {ويحرم عليهم الخبائث} (٤).

ومنه رؤيته - صلى الله عليه وسلم - الأمر المسكوت عنه، الدائر بين أصلين، أنه أقرب إلى أحدهما من الآخر، فيعطيه حكمه. كما في ميراث البنتين. قال الله تعالى: {فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك، وإن كانت واحدة فلها النصف} (٥) وسكت عن الاثنتين. فألحق - صلى الله عليه وسلم - الاثنتين بما فوق الاثنتين فجعل لهما الثلثين. كما في قصة ابنتي سعد بن الربيع حين قال لعمهما: "أعط ابنتي سعد الثلثين".

وحرّم الله عز وجل الميتة، وأحلّ المذكاة، فدار جنين المذكاة بين الطرفين، فحكم - صلى الله عليه وسلم - بأن ذكاة أمه ذكاة له، بقوله: "ذكاة الجنين ذكاة أمّه".

ومنه معرفة أن إحدى الآيتين مخصصة للأخرى دون العكس. كما في حديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلَّى أنه قال: "كنت أصلّي في المسجد. فدعاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فلم أجبه، فقلت يا رسول الله، كنت أصلي. فقال ألم يقل الله عز وجل: {استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم} قلت: بلى" (٦). فيظهر أن أبا سعيد كان يظن آية {وقوموا لله قانتين} مقدمة في موضع التعارض على الآية التي ذكرها النبي - صلى الله عليه وسلم -، فبيّن له النبي - صلى الله عليه وسلم - أن العكس هو الصواب.

فهذا النوع من الاجتهاد قريب، وذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أفصح العرب وأعلمهم بكلامهم، وكان نظره ثاقباً، وفكره وقّاداً، وقد أمر باتباع ما أنزل إليه من ربه. ورعاية ربه فوقه، إن أخطأ صوّبه، وإن لم يصحح له يتبين أنه قد عمل بالصواب.


(١) انظر الشاطبي: الموافقات ٤/ ٣٣ - حيث ذكر أمثلة لهذا النوع.
(٢) رواه النسائي. وأصل النهي عنها عند البخاري ومسلم (جامع الأصول ٨/ ٢٩٠).
(٣) رواه أبو داود (جامع الأصول ٨/ ٢٧٢) وإسناده ليس بقوي.
(٤) سورة الأعراف: آية ١٥٧
(٥) سورة النساء: آية ١١
(٦) البخاري ٨/ ١٥٦ ورواه الترمذي وغيره بسياق آخر.

<<  <  ج: ص:  >  >>