للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نوقش الاستدلال بهذه الوقائع باحتمال أنه - صلى الله عليه وسلم - خُيِّر فيها تخييراً خاصاً.

والسياق يأبى هذا الاحتمال، كما لا يخفى.

[أدلة المانعين]

وقد احتجّ القاضي عبد الجبار (١) للمنع من التفويض، بأن الشرائع إنما يَتَعَبَّد الله بها الناس لكونها مصالح، والإنسان قد يختار الفساد، فلو أباح الله تعالى للإنسان أن يحكم بمجرد اختياره، لكان ذلك إباحة للحكم بما لا يأمن كونه فساداً.

وقد أكّد هذا الاستدلال أبو الحسين البصري وأخذ به.

ونقضه الآمدي بأنه مبنيّ على رعاية المصلحة في أفعال الله تعالى، فمن لا يرى ذلك لا يلزمه القول بمقتضى دليل القاضي؛ ومن سلم رعاية المصلحة في أفعاله تعالى، فإن التفويض لا يكون إلاّ مع التسديد للمصلحة باللطف الخفي، وبذلك يؤمن اختيار الفساد، كما هو واضح في الوقائع التي حصل الاحتجاج بها. واختار ابن السمعاني القول بأنها ينبغي أن تُبنى على مسألة العصمة، فلما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - معصوماً، جاز التفويض إليه. وهو وجيه.

فالحقُّ أن التفويض إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - قد وقع، ولو في مسائل قليلة.

تنبيه: قال السمعاني: "هذه المسألة أوردها متكلمو الأصوليين، وليست بمعروفة بين الفقهاء، وليس فيها كبير فائدة، وقد وجد في حق النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقلنا على ما وُجد" (٢).

ولسنا معه في قوله: "ليس فيها كبير فائدة". فإن معرفة المسلم للطرق التي تصدر بها الأحكام عن نبيه - صلى الله عليه وسلم - أمر له خطورته.


(١) المعتمد لأبي الحسين البصري ص ٨٩٠
(٢) القواطع ق ٢٨٩ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>