للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويذكرها الأصوليون في أوائل مباحث السنة، فعل ذلك ابن الهمام، وقال: إن ذلك من عادة الأصوليين من غير الحنفية (١).

ومنهم من ذكرها في بحث الأفعال النبوية من السنة، كما فعل البيضاوي في منهاجه (٢)، إذ جعلها أولى مسائل بحث الأفعال النبوية. وقال الأسنوي شارحه: "وهي مقدمة لما بعدها، لأن الاستدلال بأفعالهم متوقف على عصمتهم". وفعل ذلك الزركشي في البحر المحيط (٣)، وقال: القسم الثاني -من السنة- الأفعال، وعادتهم يقدمون عليها الكلام على العصمة، لأجل أنه ينبني عليها وجوب التأسي بأفعاله. اهـ. وفعله الغزالي في المنخول والمستصفى.

ونحن نرى أن مسألة العصمة ينبغي إذا ذكرت في الكتب الأصولية الشاملة؛ أن تذكر في أول مباحث السنة، إذ أن تعلقها إنما هو بالسنة بصفتها الشاملة للقول والفعل، لا بالفعل على وجه الخصوص. وإنما نذكرها نحن في قسم الأفعال لأنه أحد نوعي السنة، لا لاختصاصها به.

[العصمة في اللغة والاصطلاح]

العصمة في اللغة اسم مصدر عصم، وهي بمعنى: المنع، كذا في (لسان العرب). وفي (القاموس) عصم: منع ووقى. أقول: ولعلها بمعنى المنع المضمن معنى الوقاية، على ما تدل عليه استعمالاتها المختلفة؛ فليس كل منع عصمة، وإنما العصمة أن تمنع الشيء أن يلحقه الضرر. قال الله تعالى: {قال سآوي إلى جبل يعصمني من الماء، قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم} (٤) وقال: {ومن يعتصم بالله فقد هُدِيَ إلى صراط مستقيم} (٥) أي يتمسك بحبله وهداه خشية الانحراف، كما قال الله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} (٦) وتقول العرب: اعتصم بالفرس، إذا أمسك بعرفه حين يخشى السقوط. وقال الزجاج:


(١) تيسير التحرير ٣/ ٢٠
(٢) ٢/ ٥٣
(٣) ٢/ ٢٤٥ أ.
(٤) سورة هود: آية ٤٣
(٥) سورة آل عمران: آية ١٠١
(٦) سورة آل عمران: آية ١٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>