للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبطانة تأمره بالشرّ وتحضه عليه، والمعصوم من عصم الله" (١). فالعصمة أصلاً في حق البشر بطريق الجواز. والخلاف الواقع بين الأمة في عصمة الأنبياء إنما هو في وجوبها أو عدم وجوبها.

[لمحة عن تاريخ القول بعصمة الأنبياء]

لسنا نجد في القرآن العظيم بياناً لعصمة الأنبياء بطريق النص، وقد ذكر الرازي في كتابه (عصمة الأنبياء) اثنتي عشرة آية، رأى أنها دالة على عصمتهم. ودلالتها عنده هي بطريق اللزوم، لا بطريق النص، كما هو واضح من استقرائها في كتابه المذكور، وكما سيأتي إيضاحه إن شاء الله.

والسنة كذلك فيها إشارات ليست نصوصاً. ومن أصرح ما ورد في ذلك ما في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "ما منكم من أحد إلاّ وقد وكل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة". قالوا: وإياك؟ قال: "وإياي، إلاّ أن الله أعانني عليه فأسلم فلا يأمرني إلاّ بخير" (٢) ومن أقوال الصحابة، ما في مسند أحمد، من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال في أول خطبة له بعد توليه الخلافة: "لئن أخذتموني بسنة نبيكم - صلى الله عليه وسلم - ما أطيقها، إن كان لمعصوماً من الشيطان، وإن كان لينزل عليه الوحي من السماء" (٣).

وذُكِر أن أول من ألّف في العصمة (الشريف) المرتضى، وكان من كبار دعاة الإمامية. فقد ألّف كتابه (تنزيه الأنبياء) قال فيه بعصمة الأنبياء، وأضاف إلى ذلك أن أوجب العصمة لأئمة الشيعة. بل يرى بعض الكاتبين أنه اتخذ القول بعصمة الأنبياء سلماً للقول بعصمة (الأوصياء) كما ادّعاه.

ثم ألّف الرازي، وهو محمد بن عمر بن الحسين، المتكلم الأصولي الشهير، (٥٤٣ - ٦٠٦هـ) كتابه الآنف الذكر (عصمة الأنبياء) (٤) الذي أصبح


(١) ١١/ ٥٠١
(٢) رواه أحمد ومسلم (الفتح الكبير).
(٣) قال أحمد محمد شاكر: إسناده حسن.
(٤) كتاب (عصمة الأنبياء)، طبعته إداره الطباعة المنيرية بالقاهرة عام ١٣٥٥ هـ وقدم له وعلق عليه محمد منير الدمشقي.

<<  <  ج: ص:  >  >>