للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما بعد النبوة، فقد قالوا إن الأنبياء معصومون عن تعمّد كل ما يخلّ بصدقهم، فيما دلّت المعجزة القاطعة على صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى. أما بطريق الخطأ والنسيان فقد اختلفوا فيه. وجوزه الباقلاني، ومال إليه الآمدي.

وأما الكفر فقد منعوه عمداً وسهواً.

وأما المعاصي الكبائر وصغائر الخِسّة فقد منعوها عمداً وجوزوها سهواً. كما جوزوا الصغائر على سبيل الندرة (١) ولو عمداً. ومنهم من منع ذلك كله، ومن أولئك السبكي وابنه، والإسفرائيني والشهرستاني، والقاضي عياض (٢). بل إن القاضي عياض وافق الشيعة الإمامية في دعوى العصمة قبل النبوة، والعصمة بعد النبوة من الصغائر ولو سهواً (٣).

٤ - والخوارج نقل الآمدي عن الأزارقة منهم أنهم أجازوا بعثة نبي يعلم الله أنه يكفر بعد نبوته. والفُضَيْليّة منهم أجازوا صدور الذنوب عن الأنبياء، وكل ذنب فهو عندهم كفر. وبذلك يكونون قد أجازوا صدور الكفر عنهم.

٥ - وأما أهل الحديث، فينقل الكاتبون في الأصول عنهم وعن الكرّامية، أنهم أجازوا صدور الكبائر عن الأنبياء عمداً. وابن تيمية ينقل "إن عصمتهم في ما


=جعفر السمناني قاضي الموصل، أنه كان يقول: "كل ذنب، دق أو جل، فإنه جائز على الرسل، حاش الكذب في التبليغ فقط". قال: "وجائز عليهم أن يكفروا" قال: "وإذا نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن شيء، ثم فعله، فليس ذلك دليلًا على أن ذلك النهي قد نسخ، لأنه قد يفعله عاصياً لله عز وجل" قال: "وليس لأصحابه أن ينكروا عليه ذلك". اهـ.
فإن كانت هذه النقول عن الباقلاني نفسه، فهي رواية أخرى تخالف ما يتناوله الأصوليين من مذهبه.
(١) انظر الآمدي ١/ ٢٤٣، ٢٤٤
(٢) ابن السبكي والمحلي: جمع الجوامع وشرحه ٢/ ٩٥ والقاضي عياض: الشفاء بتعريف حقوق المصطفى ط القاهرة، محمد علي صبيح ٢/ ١١٥
(٣) الشفاء ٢/ ١٤٠

<<  <  ج: ص:  >  >>