للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عنهم الذنوب كانوا من حزب الشيطان ولكان من قال الله فيهم: {ألا إن حزب الله هم المفلحون} من العباد والصلحاء، خيراً من الأنبياء. وذلك باطل.

ويناقش ابن تيمية مثل هذا الاستدلال، بأن الظالم هو من أصرّ على الذنب ولم يتب منه، أما من وقع منه فبادر إلى التوبة والإنابة إلى الله، فلعله يكون خيراً ممن لم يقع منه الذنب أصلاً (١). قال: "وفي الأثر: كان داود بعد التوبة، خيراً منه قبل الخطيئة" (٢). فلم يذكر الله تعالى عن نبي ذنباً إلاّ مقروناً بتوبة واستغفار (٣).

٢ - أنّا مأمورون بالتأسّي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، بقوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني} ونحو ذلك من الآيات. فلو صدر تعمّد المخالفة أو الغلط أو النسيان عنه لكنا مأمورين بالاقتداء به فيه، وهذا لا يجوز. فثبت استحالة صدور المعصية عنه (٤).

ونوقش هذا الدليل بأنه لا يُنتج إلاّ منع استقرار الشرع على غير الوجه الصحيح. قال ابن تيمية: "حجة التأسيّ بالأنبياء صلوات الله عليهم لا تنتج منع الذنب، ولكن منع الإقرار عليه". قال: "المختار أن العصمة ثابتة عن الإقرار على الذنوب مطلقاً. والحجج العقلية والنقلية تنتج هذا لا غير" (٥).

وقال أيضاً: "إن هؤلاء من أعظم حججهم ما اعتمده القاضي عياض وغيره حيث قالوا: نحن مأمورون بالتأسيّ بهم في الأفعال، وتجويز ذلك يقدح في التأسيّ. فأجيبوا بأن التأسي هو فيما أُقِرّوا عليه، كما أن النسخ جائز في ما يبلّغونه من الأمر والنهي، وليس ذلك مانعاً من وجوب الطاعة، لأن الطاعة تجب في ما لم ينسخ. فعدم النسخ يقرر الحكم، وعدم الإنكار يقرر الفعل، والأصل عدم كل منهما" (٦). اهـ.


(١) الفتاوى الكبرى ط الرياض. ١٠/ ٢٩٣ - ٢٩٥
(٢) منهاج السنة.
(٣) الفتاوى الكبرى ط الرياض ١٠/ ٢٩٦
(٤) الرازي: عصمة الأنبياء ص ٥، وعياض: الشفاء.
(٥) ابن تيمية: الفتاوى الكبرى ١٠/ ٢٩٣
(٦) ابن تيمية: الفتاوى الكبرى ١٥/ ١٤٩

<<  <  ج: ص:  >  >>