للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الشيخ محمد خليل هرّاس: "الواجب أن نستحي من الله أن نقول ما يخالف كلام الله عز وجل. وما وقع من الرسل من مخالفات قليلة جداً في أعمارهم الطويلة أدّى إليها أحياناً غلبة طبع أو نسيان بمقتضى أنهم بشر، لا يمكن أن يغض من أقدارهم، ولا أن يخرجهم عن منصب القدوة التي جعلها الله لهم" (١).

ونوقش هذا الدليل أيضاً مع من أجاز صدور المعصية الكبيرة نسياناً أو سهواً أو الصغيرة عمداً وسهواً، بأنا مأمورون بالاقتداء به - صلى الله عليه وسلم - في صغير أعماله وكبيرها. فلما لم يقتض دليل الاقتداء منع النسيان والسهو والصغيرة، فكذلك لا يقتضي منع صدور الكبيرة عمداً. وإنما يقتضي الدليل منع الإقرار على الكل كما تقدم.

وقد أجاب أبو هاشم الجبائي عن هذا الاستدلال بقوله: "إن التأسيّ بالعاصى قد يكون طاعة". كالذاهب إلى الكنيسة للكفر، يتأسىّ به من يمضي معه لمطالبة غريم واسترجاع وديعة.

وهذا الجواب غير مرضي، وقد ردّه أبو عبد الله البصري بأن: "المتأسّي بغيره لا يكون متأسّياً في جنس الفعل، وإنما يكون كذلك بأن يفعله على الوجه الذي فعل". يعني بالوجه: غرضه من الفعل.

وقد رجّح القاضي عبد الجبار طريقة شيخه أبي عبد الله البصري (٢). وهو الصواب.

أقول: والعجب من الرازي أنه جعل الحاجة إلى التأسي به - صلى الله عليه وسلم - دليل عصمته، ولكنه في باب الأفعال النبوية من كتابه المشهور (المحصول) توقف في مسألة التأسّي بها، ورأى أنه غير لازم (٣). لاحتمالها الخصوصية - ما لم يبيِّن لنا بالقول أن الفعل المعيّن مقصود به التأسِّي. وهذا تناقض من الرازي، عفا الله عنا وعنه.


(١) تعليقه على الخصائص الكبرى السيوطي ٣/ ٣٣٦
(٢) عبد الجبار: المغني ١٥/ ٢٨٦
(٣) المحصول للرازي ق ٤٨ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>