للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القانون العام الذي ثبت بالأدلة المتقدمة. بل الأصل في أفعاله - صلى الله عليه وسلم - أنه يريد بها الموافقة. وهذا جواب المازري، وأقرّه أبو شامة، وقرّره الآمدي (١).

٢ - أن يقال: من أجاز صدور الصغيرة عنه - صلى الله عليه وسلم - إنما أجازها فيما لا ينبني عليه تشريع، فإذا انبنى عليها تشريع امتنعت عند قوم (٢)، ولزم التنبيه عند آخرين، كما تقدم، لئلا يستقر في الشريعة ما هو مخالف لأحكام الله، إذ الشريعة معصومة بالإجماع.

هذا وقد تتقوى هذه الشبهة بتدخل عنصر معيّن، وهو أن الله تعالى أمدَّ رسوله - صلى الله عليه وسلم -، جزاء صبره على تكاليف الدعوة إلى أن فتح عليه، أمدّه بمغفرة سابقة لما قد يقع منه من المخالفات. قال تعالى في أول سورة الفتح: {إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً * ليغفر لك الله ما تقدّم من ذنبك وما تأخر} فقد يُظَن أن ذلك مما يدعوه - صلى الله عليه وسلم - إلى الاسترسال وعدم التحرّج، اعتماداً على المغفرة السابقة.

وقد عرضت هذه الشبهة في الأفعال النبوية لبعض الصحابة.

ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: "أن رجلاً جاء إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم - يستفتيه، وهي تسمع من وراء الباب، فقال: يا رسول الله، تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: وأنا تدركني الصلاة وأنا جنب فأصوم. فقال: لست مثلنا يا رسول الله، قد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر. فقال: والله إني لأرجو أن أكون أخشاكم لله، وأعْلَمكلم بما أتقي" (٣)، وفي رواية أبي داود: "وأعلمكم بما أتّبع". وفي مسند أحمد: "وأعلمكم بحدوده ". وفي رواية: "وأحفظكم لحدوده".


(١) الإحكام ١/ ٢٥٠
(٢) منهم أبو عبد الله البصري، والقاضي عبد الجبار المعتزلي، انظر كتابه: المغني ١٥/ ٢٨٨ حيث يقول: "لم يثبت أن لا فعل إلا ويجب التأسي فيه، وإنما يجوز ذلك على وجه التأويل، وما هذا حاله لا تجوز فيه المعصية، وإنما يجوز ذلك على وجه التأويل فيما لا يتعلق بالشرائع". ونقل مثل ذلك عن أو عبد الله (البصري) ١٥/ ٢٨٧
(٣) صحيح مسلم، ط عبد الباقي ٢/ ٧٨١

<<  <  ج: ص:  >  >>