للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اتفاقاً. يقول: "لو فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - فعلاً بحكم الاتفاق، مثل نزوله في السفر بمكان أو أن يفضل في إداوته ماء فيصبه في أصل شجرة، أو أن تمشي راحلته في أحد جانبي الطريق، ونحو ذلك، فهل يستحبّ قصد متابعته في ذلك؟ كان ابن عمر يحب أن يفعل مثل ذلك. وأما الخلفاء الراشدون وجمهور الصحابة فلم يستحبوا ذلك، لأن هذا ليس بمتابعة لها، إذ المتابعة لا بدّ فيها من القصد، فإذا لم يقصد هو ذلك الفعل، بل حصل له بحكم الاتفاق، كان غير متابع له في قصده.

"وابن عمر يقول: وإن لم يقصده، لكن نفس فعله حسن على أيّ وجه كان، فأحب أن أفعل مثله، إما لأن ذلك زيادة في محبته، وإما لبركة مشابهته له ...

"وهكذا للناس قولان في ما فعله من المباحات على غير وجه القصد، هل متابعته فيه مباحة فقط، أو مستحبة، على قولين في مذهب أحمد وغيره.

يقول: "ولم يكن ابن عمر ولا غيره، يقصدون الأماكن التي كان ينزل فيها، ويبيت فيها، مثل بيوت أزواجه، ومثل مواضع نزوله في مغازيه، وإنما كان الكلام في مشابهته في صورة الفعل فقط وإن كان هو لم يقصد التعبّد به. فأما الأمكنة نفسها فالصحابة متفقون على أنه لا يعظّم منها إلا ما عظّمه الشارع" (١) اهـ كلامه.

وقد يظن لأول وهلة أن هذا وهم من ابن تيمية، فقد صحّ عن ابن عمر أنه تحرى الأمكنة التي حصل الفعل النبويّ فيها بحكم الاتفاق، ومن ذلك الحديث الطويل الذي رواه البخاري (٢) في الباب الذي عقده بعنوان (باب المساجد التي على طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي - صلى الله عليه وسلم -) ذكر فيه المواقع التي كان ابن عمر يتحرّى الصلاة فيها، ويخبر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلّى فيها في أسفاره إلى مكة.

وأيضاً: كان ابن عمر يتحرّى أن يصلي من الكعبة في المكان الذي قيل له إن


(١) ابن تيمية: مجموع الفتاوى الكبرى ١٠/ ٤٠٩، ٤١٠
(٢) البخاري: ٢/ ٥٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>