للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا خارج عن الموضوع، لأن صلاته - صلى الله عليه وسلم - هناك مقصودة ولهدف معلوم هو أن يُتّخذ مصلى، وليس ذلك وارداً على موضع النزاع، لأن النزاع في ما حصل من الأفعال بحكم الاتفاق.

وذكر ابن حجر أيضاً أن عمر بن عبد العزيز بنى مساجد على مواضع بالمدينة ثبت له أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى فيها (١).

ورأينا في مثل ذلك أن الفعل الجبلّيَّ الصرف لا يدل على الاستحباب مطلقاً، بل يدل على الإباحة. وسواء أكان مما واظب عليه - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم الترجيح فيه، أو مما لم يواظب عليه.

ورأينا في ما نقل عن ابن عمر أنه فعل ذلك لا على سبيل التعبّد لله بذلك. أعني لا على سبيل أنه مستحب شرعاً، وإنما فعله بداعي عظم المحبة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو يسلّي نفسه، أو يستثير شوقه، بأن يعمل صورة ما عمل النبي - صلى الله عليه وسلم -، أو بالكون في المكان الذي كان فيه: "لعل خفاً يقع على خف" كما قال رضي الله عنه. فهي مسألة شخصية صرفة، كما يصنع المحبّ المتيّم بآثار حبيبه، إذ يحتفظ بصورته، أو بقطعة من ثيابه، أو يذهب إلى المكان الذي قابله فيه، أو نحو ذلك.

وقد حصل بسبب فعله ذاك، وحرصه عليه، أن نُقِلت إلينا معلومات تاريخية قيّمة في بيان أمكنة حصل فيها من النبي - صلى الله عليه وسلم - أفعال معينة، كصلاته داخل الكعبة مثلاً، إذ حدّد لنا موقع صلاته - صلى الله عليه وسلم - منها بالضبط. وفي مقابل ذلك حصل من أفعاله تلك ما يقابل هذه المصلحة، وهو ما حصل من الوهم عند كثير من الناس أن الاقتداء في ذلك مستحبّ.

وأما الذي يقتدى به في هذا فهو عمر رضي الله عنه، ثاني الراشدين، اللذين أمرنا أن نقتدي بسنتهم، وهذا من سنتهم.

تنبيه: بعض ما نقلناهُ عن ابن عمر داخل في القسم التالي، وهو ما له علاقة


(١) فتح الباري ١/ ٥٧١

<<  <  ج: ص:  >  >>