للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واحتجّ لذلك ثالثاً بفعل الصحابة، من نحو قول عمر: "يا سارية الجبل" (١) وقصّ على عمر رجل أنه رأى الشمس والقمر يقتتلان، فقال له: مع أيهما كنت؟ قال: مع القمر. قال: "كنتَ مع الآية الممحوّة، لا تلي عملاً أبداً".

واشترط الشاطبي لجواز التصرف على أساس الخارق، أن لا يخرم ذلك التصرف حكماً شرعيّاً ولا قاعدة دينية. فلو حصل للمؤمن مكاشفة أن هذا الماء مغصوب أو نجس، فلا يجوز له الانتقال إلى التيمم، لأن القاعدة الشرعية أن لا ينتقل عن الوضوء إلى التيمم إذا وجد ماء محكوماً بطهارته. ولو حصلت له مكاشفةٌ أن هذا المال لزيد، وقد تحصّل بالحجة لعمرو، لم يجز له أن يشهد به لزيد (٢).

والجائز عنده من ذلك نحو أن يترك أحد الجائزين ويفعل الآخر. فهو عمل على وفق الأحكام الشرعية. فموضع العمل بها يتبيّن، على سبيل التمثيل، في ثلاثة أوجه:

أحدها: أن يكون في مباح، كأن يرى أن فلاناً يقصده في وقت كذا بخير أو شر، فيستعد لذلك.

والثاني: أن يكون لحاجة، فكما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما كان يخبر بكل ما يعلم من المغيبات، بل بحسب الحاجة، فكذلك المكاشف بذلك.

والثالث: أن يكون فيه تحذير أو تبشير، ليستعدّ لكلٍ عدّته، كالإخبار عن أمر ينزل إن فعل كذا، أو لا يكون إن فعل كذا.

ونحن نوافق الشاطبي فيما نقلناه عنه هنا، لا من حيث إن العمل بذلك مدلول للفعل النبويّ، بل لأنه كما ذَكَر، تصرُّفٌ في حدود المباح، والتصرف في حدود المباح لا حرج فيه. فإن رأى رؤيا مثلاً، وغلب على ظنّه صدقها، فلا حرج عليه أن يعمل بمقتضاها فيما لا يخالف الشرع.


(١) ابن كثير: البداية والنهاية ٧/ ١٣١ من رواية سيف بن عمرو الواقدي، وفي روايتهما مقال، عند أهل الشأن.
(٢) الموافقات ٣/ ٢٦٣ - ٢٦٦ وأيضاً ٤/ ٨٢ - ٨٦

<<  <  ج: ص:  >  >>