للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والصحيح أن النسخ إنما هو بآيات المواريث، ولكن لمّا احتمل أن آية المواريث تَضُمُّ للوالد والقريب حظّاً آخر، أو تبدل حظّاً من حظ، جاء الحديث مبيّناً أن المراد الاحتمال الثاني. فلولا هذا الحديث لأمكن الجمع للوارث بين الميراث والوصية. فكان الحديث مبيناً لا ناسخاً (١).

٢ - قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلاً: الثّيب بالثّيب جلد مائة والرجم، والبكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام" (٢). قال بعضهم: هو ناسخ لآية إمساك الزواني في البيوت حتى يتوفاهن الموت.

والصواب أن الحديث مبيّن للسبيل المذكور في الآية.

٣ - حديث قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأهل الطائف في ذي القعدة الحرام. قال بعض الفقهاء إن ذلك ناسخ لقوله تعالى (٣): {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه قل قتال فيه كبير} ونحوها من الآيات الدالة على تحريم القتال في الأشهر الحرم.

والصواب أن تحريم القتال فيها غير منسوخ، بل هو باقٍ مؤبّد مؤكّد. وما كان من قتال النبي - صلى الله عليه وسلم - لثقيف إنما كان من باب ردّ العدوان المذكور مع تحريم الأشهر الحرم في آية واحدة، هي قوله تعالى: {الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم} (٤)، وقد كانت ثقيف وسائر هوازن تجمعت بعد فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - لمكة، وسارت إليه، فقابلهم بحنين وهزمهم، فلجأ فلّهم إلى الطائف. فكان من تمام المعركة -بحسب المنطق العسكري الذي يدل عليه قول تعالى: {فإن قاتلوكم فاقتلوهم} - ملاحقة المنهزمين قبل أن يتمكنوا من إعادة الكرة، وفي الحديث عن جابر ما يدل على ذلك، حيث قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لا يغزو في الشهر الحرام إلاّ أن يُغْزَى، أو يغزو، فإذا حضره أقام حتى ينسلخ" (٥).


(١) أشار السمعاني (ق ١٥٢أ) إلى أن الحديث مبين للآية، ولم يوضح معنى البيان كما وضحناه.
(٢) رواه مسلم وأحمد من حديث عبادة بن الصامت (الفتح الكبير).
(٣) سورة البقرة: آية ٢١٧.
(٤) سورة البقرة: آية ١٩٤.
(٥) رواه أحمد ٣/ ٣٣٤، ٣٤٥

<<  <  ج: ص:  >  >>