للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإنه لا يتعيّن لكونه موجِب أخذِ المال وإيقاع العقوبة، فإنه لا يمتنع وجود فعل آخر هو المقتضي للمال والعقوبة" (١). اهـ.

أقول: وحصول التنبيه يعيّن السببيّة، وأيضاً لو قامت قرائن الحال على ذلك كانت كافية. والله أعلم.

الصورة الثانية: قد يكون الفعل المتعدّي (آمراً) أو (ناهياً)، بمنزلة الخطاب، فيدل كدلالة الأمر والنهي. ومثاله أن ابن عباس ائتم وحده بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في صلاة الليل، فقام عن يساره، فأخذ النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده فأقامه عن يمينه (٢). قال ابن حزم: "هو على الوجوب، لأنه وإن كان فعلاً فهو أمر لابن عباس بالوقوف عن يمينه ونهي له عن الوقوف عن يساره" (٣).

وقال أبو شامة: "ذلك على الندب" (٤) ولعلّه بَنى ذلك على قاعدته في أن الوجوب والتحريم لا يمكن استفادته من مجرّد الفعل.

والصواب عندي جعله بمنزلة الأمر، إذ إن هذا ليس فعلاً مجرداً، بل تدلّ طبيعته المتعدية الآمرة، على المراد به، ويرد عليه الخلاف في مؤداه كما ترد على الأمر القوليّ. وقد قال بالوجوب في هذا الفرع الحنابلة والظاهرية، وقال مالك والشافعي والحنفية بصحة صلاة المنفرد عن يسار الإمام. ومأخذهم القرينة الدالة على أن الأمر ليس للوجوب، هي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يُبْطِل تحريمته. فدلّ على الجواب (٥).

ومثال آخر: أن عبد الله بن مسعود كان يصلي وقد وضع يسراه على يمناه، فرآه النبي - صلى الله عليه وسلم - فوضع يمناه على يسراه (٦). فذلك يدل على استحباب وضع اليمنى على اليسرى وكراهية العكس.


(١) أبو شامة: المحقق ق ٣٨ أ.
(٢) مسلم ٦/ ٥٠
(٣) الإحكام ١/ ٤٢٩
(٤) المحقق ص ٢٣
(٥) ابن قدامة: المغني ٢/ ٢١٣
(٦) رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه. وقال ابن حجر: إسناده حسن (نيل الأوطار ٢/ ١٩٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>