للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد حاول الغزالي أن يردّ هذا الاستدلال بقوله: "فإن قيل التعميم أكثر فلينزل عليه.

"قلنا: وَلَمْ يُجب التنزيل على الأكثر، وإذا اشتبهت أخته بعشر أجنبيات فالأكثر حلال ولا يجوز الأخذ به" (١). اهـ.

وهذا التنظير غير مستقيم، لأن المخالف يدّعي ندرة الخصوصيات، لا مجرّد قلتها. والتنظير الصحيح ينبغي أن يكون بما يقوله الفقهاء من أنه لو اشتبهت أخته بنساء أهل مدينة أو قرية غير محصورات، لم يحرم عليه الزواج منها (٢).

ولا شكّ أن القاعدة (الحكم للأغلب ولا عبرة بالنادر) قاعدة صحيحة في باب الأدلة الشرعية. ولو نحن أبطلنا كل دليل في الكتاب والسنة لاحتمال ضئيل، لأبطلنا بذلك حجيّة القسم الأكبر من الشريعة، من أخبار الآحاد والقياس، بل والآيات والأحاديث المتواترة التي قد يتطرق احتمال إلى دلالالتها.

ويقول المازري: "وبالجملة فالأظهر في هذا أننا مأمورون بالاتباع على الجملة فإن الصحابة كانت تدين بهذا. وإذا طرقنا إلى مثل هذا الاستدلال ما أشار إليه الواقفية من التجويز، فتحنا على أنفسنا مطاعن من طعن علينا في استدلالنا بآثارهم في إثبات القياس والعمل بخبر الواحد. وهذا واضح. وإنما يبقى النظر في مسلكهم اتباعه - صلى الله عليه وسلم - (كذا) هل كانوا يعتقدون الوجوب أو الندب" (٣).

ويقول أبو شامة: "مذهب الواقفية مستلزم للتوقيف في أقوال الشارع وأفعاله، ولزم من ذلك التوقف في أكثر الأحكام الشرعية، وهو خلاف ما عليه السلف وأئمة الهدى من فقهاء الأمصار" (٤).

هذا وقد أحسن أبو الخطاب صياغة الردّ على من منع التأسي لاحتمال الخصوصية، إذ يقول: "احتجّوا بأن ما يفعله يجوز أن يكون مصلحة له دوننا (٥)


(١) المستصفى ٢/ ٥١
(٢) السيوطي: الأشباه والنظائر ص ٥٦
(٣) أبو شامة: المحقق ق ١٣ ب.
(٤) المحقق ق ٢٢ ب.
(٥) التمهيد ق ٨٩ ب.

<<  <  ج: ص:  >  >>