للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٢ - أن أكثر هذه الأشياء -يعني الأشياء الماديّة التي تصرف فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بأعيانها- قد فنيت، فكنّا من ذلك مكلّفين ما لا نطيق.

والجواب أن القائلين بالوجوب، إنما يقولون بوجوب إيجاد فعلٍ مماثل لفعله - صلى الله عليه وسلم -. والمماثلة تتحقق دون ما ذكر.

وأيضاً هذا لو صحّ لكان وارداً على قول الاستحباب.

السابع: واستدلوا أيضاً بحديث الأعرابيّ (١) الذي حلف أن لا يزيد شيئاً على ما أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - من أركان الإسلام الخمسة. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: أفلح إن صدق. قالوا: لم يُلزمه النبي - صلى الله عليه وسلم - أفعاله. ولم ينكر عليه الاقتصار عليها بل شهد له بالفلاح (٢).

وجوابه ما ثبت من إيجاب أمور أخرى كالجهاد وصلة الرحم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فاحتمل أن يكون هذا الحديث متقدّماً ويكون كل ما ثبت وجوبه غير الخمسة المذكورة متأخّراً. ويكون دليل التأسي متأخّر الورود عن حديث الأعرابي.

الثامن: واستدلوا أيضاً بحديث عبد الله بن مسعود (٣)، قال: صلّى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزاد (أو قال: فنقص) فلما سلم قيل له: يا رسول الله، أحدَثَ في الصلاة شيء؟ قال: "وما ذاك؟ " قالوا: صليتَ كذا وكذا. قال: فثنى رجله واستقبل القبلة، فسجد بهم سجدتين ثم سلم. فلما انْفتَل أقبل علينا بوجهه، فقال: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به، ولكن إنما أنا بشر، أنسى كما تنسون. فإذا نسيتُ فذكِّروني. وإذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصواب فليبنِ عليه، ثم يسجد سجدتين" (٤). قالوا: معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو حدث في الصلاة شيء أنبأتكم به"، ما كنت أقتصر على بيان ذلك بفعلي، بل كنت أنبئكم به قولاً.


(١) رواه البخاري ١/ ١٠٦ ومسلم ١/ ١٦٦
(٢) أبو شامة: المحقق ق ١٧ ب.
(٣) رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن الثلاثة (جامع الأصول ٦/ ٣٥٤)
(٤) أبو شامة: المحقق ق ٢٣ أ

<<  <  ج: ص:  >  >>