للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فتنة أو يصيبهم عذاب أليم} (١) قالوا: والفعل من الأمر، بدلالة قوله تعالى: {وما أمر فرعون برشيد} أي أحواله وشأنه وأفعاله. {إليه يرجع الأمر كله} {وإذا كانوا معه على أمر جامع} قالوا: فلما كان فعله من أمره لم تجز مخالفته.

وأجيب عنه بأن الأمر في الآية المستدل بها هو الأمر بالقول، بدليل قوله تعالى في أول الآية: {لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضاً} فما عبّر عنه أولاً بالدعاء، عبّر عنه أخراً بالأمر.

و (الأمر) في اللغة يأتي لمعنيين، الأول: القول الطالب، والثاني: الحال والشأن، ومنه الأفعال. والعرب قد فرّقوا بينهما. فقالوا في جمع الكلمة بالمعنى الأول (أوامر)، وفي جمعها بالمعنى الثاني (أمور). فالأمور غير الأوامر. والأمر واحد الأمور، غير الأمر واحد الأوامر. فـ (الأمر) مشترك (٢). والقرينة تبيّن أن المراد به في الآية القول دون الفعل.

وأجاب القاضي عبد الجبار بأنه على تقدير أن الفعل داخل في مسمى الأمر، أو أن الأمر في الآية بمعنى الفعل، فالنهي عن مخالفته يقتضي الموافقة، ولا يكون أحدنا موافقاً إلا إذا فعل على الوجه الذي فعله عليه - صلى الله عليه وسلم - (٣) وهو جواب سديد.

الدليل الثامن: قوله تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} وفعله هو مما آتاناه، فكان الأخذ به واجباً.

والجواب عندنا أن هذه الآية من سورة الحشر، نزلت في شأن مال الفيء، أمَرَهم الله تعالى أن يقبلوا ما أعطاهم رسول الله منه (٤). وأن يكفوا عما نهاهم عن


(١) سورة النور: آية ٦٣
(٢) نقل صاحب البحر المحيط (١/ ٢٩١ ب) في (الأمر) خمسة مذاهب: ١ - أنه حقيقة في القول والفعل ٢ - حقيقة في القول مجاز في الفعل- الحنفية ٣ - مشترك بينهما- الشريف المرتضى ٤ - حقيقة في القول والشأن والطريق دون آحاد الأفعال ٥ - لا يتضمن الفعل أمراً- الشيرازي.
(٣) المغني ١٧/ ٢٦٢، ٢٦٣
(٤) هذا تفسير الحسن والسدي للآية كما في تفسير القرطبي ١٨/ ١٧

<<  <  ج: ص:  >  >>