للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يدل على الوجوب. ووجه كونه بياناً أن الله تعالى قال: {وإن كنتم جنباً فاطهروا} والجنابة، وإن كانت معلومة المعنى لغة إلا أن معرفة المقدار الموجب للغسل من العلاقة الجنسية أمر مبهم، فبُيِّن بالفعل.

وعندي في هذا الجواب نظر، لأنه إذا كان قد سبق قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الماء من الماء" فقد حصل البيان به، والفعل الزائد مستحب أو خاص حسب ما تقضى به القواعد الأصولية. فلعله - صلى الله عليه وسلم - يكون قد اغتسل استحباباً أو زيادة في التنظف.

٢ - وأجيب أيضاً: بأنهم أوجبوه لكونه شرطاً في صحة الصلاة، فيكون مأموراً به، لدخوله تحت الأمر في قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" (١). وليس هذا الجواب بمرضي أيضاً. وقد تقدم القول في دلالة حديث "صلوا كما رأيتموني أصلي".

٣ - وأجيب أيضاً أن عائشة لما قالت ذلك في معرض الاحتجاج على ما يوجب الغسل، وفصله مما لا يوجبه، قصدت بالإخبار به الأخبارَ عن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يراه واجباً، فوجب تبعاً لذلك. فليس ذلك فعلاً بيانياً، وإنما هو فعل مجرد قام دليل وجوبه في حقه - صلى الله عليه وسلم -، فيجب في حقنا، على قول المساواة الآتي.

٤ - وأيضاً: لعلها أخبرتهم بما كانت ترويه من قوله - صلى الله عليه وسلم - (٢): "إذا جلس بين شعبها الأربع، ومسّ الختان الختان، فقد وجب الغسل". فإن أبا موسى الأشعري، لمّا اختلف المهاجرون والأنصار في ذلك، سألها، فروت له قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل". هذه رواية مسلم. وفي الموطأ (٣)، قالت: "إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".

فهذا ما ينبغي أن يعتمد في الجواب عن هذه الشبهة (٤).


(١) العضد على ابن الحاجب ٢/ ٢٤
(٢) رواه مسلم ومالك والترمذي.
(٣) جامع الأصول ٨/ ١٦٠
(٤) على أن دعوى الإجماع في هذا مردودة.

<<  <  ج: ص:  >  >>