للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد ذلك، فقد خرج من المدينة وهو لا يعلم متى يقف. لأنه خرج قبل أن يدخل شهر ذي الحجة. فمن ادعى -كالسيوطي (١) ونقله عن ابن جَمَاعَة- أن الوقوف بعرفة إذا وافق يوم الجمعة أفضل، من جهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقف وقوفه الجمعة، فقوله مردود. وبحسبنا في رده أنه يستلزم تتبُّع أعياده - صلى الله عليه وسلم - أي الأيام وافقت، ومسيره وحركاته متى حصلت، لنخصّها بمزيد من العمل. وذلك غير مستقيم شرعاً.

وقد احتج السيوطي لما ذهب إليه بأدلة أخرى لا كلام لنا فيها في هذا المقام.

المثال الثاني: قالت عائشة: تزوجني النبي - صلى الله عليه وسلم - في شوال، وبنى بي في شوال، فأي نسائه كان أحظى مني عنده؟ وكانت عائشة تستحب أن يبنى بنسائها في شوال.

وقال النووي في شرح صحيح مسلم: "فيه استحباب التزويج والدخول في شوال. قد نصّ أصحابنا (٢) على استحبابه، واستدلوا بهذا الحديث" (٣) اهـ.

ومن المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد شوالاً بالبناء فيه، ولو استحب ذلك لكان علينا تتبع شهور بنائه بزوجاته الباقيات، واعتبارها مواسم يستحب فيها الزواج.

فما قاله النووي مردود، ولا يصح بناء الاستحباب على التعلق الاتفاقي.

ولعل عائشة قالت ذلك رداً على من تطّير من شوال فكره الزواج فيه، وقد ذكر النووي ذلك نفسه، فيكون قولها دالاً على إثبات الجواز، ونفي تطّير الجاهليين بشوال.


(١) انظر رسالته (نور اللمعة في خصائص الجمعة) ضمن مجموعة الرسائل المنيرية ١/ ٢٢٠ قال فيه "وقفة الجمعة تفضل غيرها من خمسة أوجه، أحدها: موافقة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فإن وقفته كانت يوم الجمعة، وإنما يختار الأفضل" ثم ذكر باقي الأوجه.
(٢) صحيح مسلم بشرح النووي ٩/ ٢٠٩
(٣) وانظر: نهاية المحتاج ٦/ ١٨٢

<<  <  ج: ص:  >  >>