للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[القسم الرابع: ما فعله ولم نعلم سببه]

ويدخل في هذا القسم ما جهل سببه بالكلية. ويدخل أيضاً ما دار بين أمور لا يدرى أيها هو السبب ولم يترجح واحد منها.

والاقتداء بأفعال هذا القسم أعلى من الاقتداء بأفعال القسم السابق، لأن ما علم زوال معناه قطعاً لا يوازي ما جهل معناه مع احتمال أن يكون باقياً في حق المقتدي، إذ إنه قد يفعله حينئذٍ احتياطاً لعلّه أن يصادف السبب.

ومن أجل ذلك كان حكمه أخفى.

وقد قال أبو إسحاق المروزيّ في هذا النوع: يقتدى به (١). وضمّه إلى ما علم معناه وكان باقياً. ولم يضمه إلى ما زال معناه.

وكذلك قال السبكي: يقتدى به بالإطلاق (٢).

وقال النووي أيضاً: يستحب التأسّي به قطعاً (٣).

وهذا هو الحق، ولا يجوز سواه. لأننا قد افترضنا أنه فعل شرعي، ليس جبليّاً ولا هو من الخواصّ. فلا شكّ أنه دله فعله لمصلحة مشروعة، إما لذاته وإما منوطاً بسبب. فإذا جهلنا السبب بقي احتمال حصول المصلحة بفعله قائماً، مرجّحاً للفعل على الترك، وذلك معنى الاستحباب. ويفارق أفعال القسم السابق، فإننا علمنا أن المصلحة لا تحصل بالفعل منها إلا عند سبب معين، فلا معنى لإيجاد الفعل مع القطع بإن المصلحة المطلوبة لا تحصل به. بخلاف أفعال هذا القسم الذي نحن فيه، فإن رجاء حصول المصلحة به لم ينعدم.

وقد مثل له السبكي في قواعده بالذهاب للعيد من طريق والرجوع من طريق آخر. وجعل تكرار ذلك منه - صلى الله عليه وسلم - دليل شرعيته. وذكر أن الشافعية قالوا في معناه أقوالاً:


(١) الزركشي: البحر المحيط ٢/ ٢٤٨ ب.
(٢) السبكي: القواعد ١١٥ أ، ب.
(٣) الزركشي: البحر المحيط ق٢/ ٢٤٨ ب

<<  <  ج: ص:  >  >>