للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالث: تصرفه بمقتضى الإفتاء، وهو تطبيق الأحكام الشرعية على الوقائع دون إلزام.

الرابع: تصرفه بمقتضى الحكم، يعني القضاء. وذلك يقتضي أن له سلطة إنشاء الأحكام القضائية.

ونحن قد توسّعنا في بيان جهات أخرى غير ما ذكره القرافي.

ونضيف أيضاً بيان الحكمة في جمعه - صلى الله عليه وسلم - لهذه المناصب، وفائدتها من جهة التبليغ.

فقد يُقال: إنه كان بالإمكان أن يقوم - صلى الله عليه وسلم - بمهمة الرسالة وحدها، أي بمجرد التبليغ. فيبيّن بقوله ما على رئيس الدولة أن يفعله وما على القاضي أن يفعله، وهكذا المحتسب، وإمام الصلاة، والمفتي وغيرهم، وما لهم أن يفعلوه أيضاً.

والجواب ما تقدم من أن وظيفة النبي - صلى الله عليه وسلم - ومهمته التي حددت في القرآن ليست مقصورة على التبليغ. بل منها التعليم والتزكية أيضاً، وذلك يتمّ بأن يكون ما بلغه - صلى الله عليه وسلم - بالقول، مطبّقاً تطبيقاً حيّاً مشاهَداً، ليحصل تمام الإدراك والتعقل لما يبلغه بالقول.

فحصل بجمعه - صلى الله عليه وسلم - منصب القضاء إلى منصب الرسالة البيان الفعلي لما يراعى في القضاء من الأحكام الشرعية. وبجمعه منصب الإفتاء إلى منصب الرسالة البيان الفعلي لما يراعيه المفتي عند إصداره الفتيا. وبجمعه إمامة الصلاة البيان الفعلي كذلك. وكذلك يقال في الإمامة العامة والإدارة، وما سواها من المناصب.

وكان هذا أظهر في الحكمة من أن يكون متوليّاً منصب الرسالة وحده، إذ لا تتبين حينئذٍ الأحكام الشرعية المتعلقة بسائر المناصب إلا قولًا فقط، وذلك يكون قصوراً في البيان والتعليم. والله عليم حكيم.

ولكن قد حصل بسبب هذا الجمع بين المناصب اشتباه في بعض الأحكام المستفادة من الفعل: أهي أحكام شرعية عامّة تلزم الأمة، أم هي أحكام خاصة موقتة، تلزم من تعلقت به وحده.

<<  <  ج: ص:  >  >>