للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

استدل الأولون بالفعل النبويّ، مع قوله - صلى الله عليه وسلم -: "صلوا كما رأيتموني أصلي" فأدخلوا في دلالة الفعل الدلالة الاقترانية، وحملوها على الوجوب. وقد تقدم أن الصواب من حديث: "صلوا كما رأيتموني أصلي" لا يصلح دليلاً للتمييز بين واجبات الصلاة ومستحباتها، بل تبقى أفعال الصلاة من هذه الناحية في حكم الفعل المجرّد. وبيّنّا أن الفعل المجرّد إذا لم يتقدم دلالة على أنه - صلى الله عليه وسلم - فعله على سبيل الوجوب فلا يكون واجباً. ولم تقم قرينة على أنه - صلى الله عليه وسلم - رتب بين الفوائت على سبيل الوجوب، فلا يبقى إلا أنه فعل ذلك استحباباً.

فهذه طريق من طرق الاستدلال على كون مذهب الشافعية في مسألة الترتيب بين الصلوات المقضية أرجح. والله أعلم.

[مثال آخر]

حديث ابن عمر: صليت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - سجدتين قبل الظهر وسجدتين بعدها، وسجدتين بعد الجمعة، وسجدتين بعد المغرب، وسجدتين بعد العشاء. فأما المغرب والعشاء ففي بيته. وحدثتني حفصة أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يصلي ركعتين بعدما يطلع الفجر" (١).

وروي نحوه عن عائشة (٢).

فقد تضمن هذا الحديث من متعلقات الفعل ثلاثة أشياء:

١ - العدد، وسيأتي في مطلب خاص إن شاء الله.

٢ - والمكان، وقد تقدم أن الفعل لا يدل على اعتباره في التأسّي إلا بقرينة. وقد قال ابن حجر: استُدِل بهذا الحديث على أن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل منه في المسجد، بخلاف رواتب النهار. قال: وفي الاستدلال بهذا الحديث لذلك نظر، والظاهر أن ذلك لم يقع عن عمد.


(١) رواه البخاري (٣/ ٥٠)
(٢) رواية عائشة عند مسلم (نيل الأوطار ٣/ ١٦)

<<  <  ج: ص:  >  >>