للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي مسألة زيادة الصحابة في حد الخمر على أربعين: الأصل المنع، فالأصح اعتبار ما زاد تعزيراً، كما قال الشافعي، ووجهه أن بعض الناس تحاقروا العقوبة.

وأما في مسألة القصر: فإنه وإن كان مشروعية القصر هي الأصل في صلاة المسافر لنصّ الآية، إلاّ أن ذلك منوط في الآية بالسفر، وذلك يقتضي جواز القصر ما دام حكم السفر قائماً. لكن من أجمع إقامة ببلد غير بلده، أياماً كثيرة أو قليلة، اشتبه أن يكون في حكم المسافر، أو حكم المقيم. والمغلب في ما زاد على الفعل جانب الإقامة لأن القصر على خلاف الأصل.

أما الشوكاني فإنه يقول في تحقيق أمر هذه المسألة: "الحق أن الأصل في المقيم الإتمام، لأن القصر لم يشرعه الشارع إلا للمسافر، والمقيم غير مسافر، فلولا ما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم - من قصره بمكة وتبوك مع الإقامة، لكان -يعني الإتمام- هو المتعيّن، فلا ينتقل عن ذلك الأصل إلاّ بدليل .. ولا شك أن قصره في تلك المدة، لا ينفي -يعني من حيث هو دليل فعلي- القصر في ما زاد عليها، ولكن ملاحظة الأصل المذكور هي القاضية بذلك" (١). اهـ.

هذا ما قاله الشوكاني، وهو استدلال بالقاعدة التي ذكرنا، ولكن فيه نظر، لإخراجه من أقام في أثناء سفره، اليوم واليومين، عن مسمّى المسافر. وذلك معاندة للغة. وأيضاً يلزم من قوله إجازة القصر لمن هو غير مسافر، وذلك خلاف ما دلّ عليه القرآن. بل الصواب ما قلنا من أن من أقام بغير بلده فهو من جهة مسافر، ومن جهة مقيم، ويغلب جانب السفر في القليل، وجانب الإقامة في الكثير. ولمّا كان الكثير لا حدّ له لمبدئه، حدوا القليل وحده بالفعل لأنه متيقن، فأخذ ابن عباس بروايته (تسعة عشر يوماً) وأخذ الحنفية برواية (خمسة عشر يوماً) وأخذ الشافعية والحنابلة بصلاته - صلى الله عليه وسلم - بمكة قبل الخروج إلى الحج أربعة أيام.

وأما القطع في السرقة، فإن الأصل القطع في القليل والكثيرة، للآية، ولو لم يرد إلا الدليل الفعلي لكان قول أهل الظاهر هو الظاهر. قال ابن دقيق: "الاستدلال


(١) نيل الأوطار ٣/ ٢٢٤

<<  <  ج: ص:  >  >>