للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا القول من أبي شامة مبني أيضاً على مذهبه في أن الفعل المجرّد يدل على الاستحباب في حقنا حتى لو كان قد فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - على سبيل الوجوب.

أما على القول الذي صار إليه الجمهور في الفعل المجرّد، وهو الذي اخترناه فإن الأمر يختلف.

ونحن نفصل القول في ذلك، فنقول وبالله التوفيق، إن المجتهد يسير في استفادة الحكم من الفعل النبوي، الخطوات التالية بالترتيب:

الخطوة الأولى: أن ينظر: هل الفعل من جملة الأفعال الجبلية ونحوها. فإن كان كذلك، فلا يستفاد في حقنا منه أكثر من الإباحة. وإلاّ:

فالخطوة الثانية: أن يبحث هل هناك ما يمنع تعدية حكم الفعل إلى الأمة، كأن يوجد ما يدلّ على كون الفعل خاصاً به - صلى الله عليه وسلم - فإن وجد ذلك وقف عنده. وإلاّ:

فالخطوة الثالثة: هل ورد ما يدل على كون الفعل بياناً لخطاب عام، أو تنفيذاً وامتثالاً لحكم عام، فيعلم بذلك. وهو ما ذكره الغزالي. وإلا:

فالخطوة الرابعة: أن يعتقد أن الفعل المجرّد، فليبحث هل ورد ما يدل على حكم الفعل في حقه - صلى الله عليه وسلم -، من وجوب أو ندب أو إباحة، فيكون الحكم في حقنا مساوياً للحكم في حقه - صلى الله عليه وسلم - بناء على قول المساواة، وهو قول الجمهور. وسواء أكان الفعل في العبادات أو غيرها من الآداب والمعاملات والعقوبات وغير ذلك. وقد تقدم بيان طرق معرفة الحكم في حقه - صلى الله عليه وسلم -.

فإن لم يكن الفعل معلوم الحكم:

فالخطوة الخامسة: أن يعتقد أن الفعل من المجهول الصفة، فلينظر هل هو مما يظهر فيه قصد القربة. فإن كان كذلك حمله على الاستحباب في حقه - صلى الله عليه وسلم -، وبالتالي يدل على الاستحباب في حقنا بناء على قاعدة المساواة.

والخطوة السادسة: إن لم يظهر للمجتهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قصد القربة، فليحمل الفعل على الإباحة في حقه - صلى الله عليه وسلم -، فيدل على الإباحة في حقنا أيضاً.

<<  <  ج: ص:  >  >>