للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثه: هكذا رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ. يحتمل أن إشراعه في العضدين والساقين مما فعله هو ابتداء، وتكون إشارته (بهكذا) إلى ما عدا ذلك. فلا يكون حجة على استحباب الإشراع في الأعضاء المذكورة.

ويحتمل أنه مما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعله فيكون حجة.

ومثاله أيضاً: حديث المعتمر بن سليمان أنه كان يجهر بـ {بسم الله الرحمن الرحيم} قال بعد صلاته: "ما آلو أن أقتدي بصلاة أبي. وقال أبي: ما آلو أن أقتدي بصلاة أنس. وقال أنس: ما آلو أن أقتدي بصلاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -" (١). فهذا في النقل بالفعل. وقد صحّ عن أنس قول: "صليت خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبي بكر، وعمر، وعثمان، فكانوا يستفتحون بالحمد لله رب العالمين، لا يذكرون {بسم الله الرحمن الرحيم} في أول قراءة ولا في آخرها" (٢).

وحيث تعارضت الرواية الفعلية عن الصحابي، مع الرواية القولية، يقدم القول لأنه نص، والفعل محتمل كما بيّنّا.

ومن قبيل نقل الفعل بالفعل أن يرى الصحابي رجلاً يفعل فعلاً، فيقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يفعل مثله. ومنه أن عمران بن حصين صلى خلف علي بن أبي طالب، فكان إذا سجد كبّر، وإذارفع رأسه كبّر، وإذا نهض من الركعتين كبّر، فقال عمران: "ذكّرني هذا صلاة محمد - صلى الله عليه وسلم -" (٣).

ومن نقل الرواة أفعاله - صلى الله عليه وسلم - بالفعل واحداً بعد الآخر، ما يبني عليه مالك بعض مذهبه من العمل المستمرّ بالمدينة بعد نبيها، - صلى الله عليه وسلم -. ومنه كما قال ابن القيم: "نقلهم الوقوف، والمزارعة، والأذان على المكان المرتفع، والأذان للصبح قبل الفجر، وتثنية الأذان وإفراد الإقامة، والخطبة بالقرآن والسنن، دون الخطبة


(١) ذكر الحاكم أن رواته عن آخرهم ثقات (ابن دقيق: شرح العمدة ١/ ٢٤٩).
(٢) رواية مسلم. وبمعناها رواية البخاري والموطأ والنسائي وأبي داود (جامع الأصول ٦/ ٢٢٢).
(٣) حديث علي: متفق عليه.

<<  <  ج: ص:  >  >>