للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إفطاره كان (بالجماع). فتختص الكفارة به، ولا تجب في الإفطار بالأكل والشرب، إلا قياساً.

ومن أمثلته أيضاً عندي حديث المغيرة بن شعبة في المسح، ففي بعض رواياته: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مسح رأسه، وفي أخرى أنه مسح على العمامة، وفي ثالثة أنه مسح على ناصيته وعمامته (١). فإن حديث المغيرة هذا هو ما وصف به وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة تبوك ذات ليلة لصلاة الصبح.

وقد قال ابن حزم: "بهذا تعلّق المانعون من المسح على العمامة. قالوا: ذكره المسح على العمامة، هو حديث واحد مع الذي فيه ذكر الناصية والعمامة. قال ابن حزم: وهذا خطأ، لأن الوضوء لم يكن مرة واحدة منه - صلى الله عليه وسلم - فمن ادّعى أن ذلك كله في وضوء واحد، في وقت واحد، فقد دخل تحت الكذب، والقول بما لا يعلم. وهذا لا يحل لمسلم" (٢).

أقول: قوله هذا مردود، وهو من تسرّعاته المعهودة، عفا الله عنا وعنه، فإن سياق القصة يدلّ على أن الحادثة واحدة. وذلك يمنع صحة الاستدلال بهذا الحديث على الاجتراء في الوضوء بمسح بعض الرأس، كما فعل ابن قدامة (٣) أو بمسح العمامة وحدها. ولا بدّ لإثبات ذلك من أدلة أخرى غير حديث المغيرة.

ثانياً: وإن كان في واقعتين لم يجب حمل المطلق على المقيد، فإن الواقعة التي أطلق فيها ذلك يحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل فيها كما فعل في الأخرى. لكن الراوي أطلق ولم يبين. ويحتمل أنه - صلى الله عليه وسلم - ترك فيها ما فعله في الثانية، فيكون ذلك من باب التعارض بين الفعل والترك، ويكون ذلك نسخاً، أو يكون الأقل واجباً والزائد مستحباً. وسيأتي في باب التعارض إن شاء الله.


(١) ذكرت الروايات الثلاث في جامع الأصول ٨/ ١٣٠ أما ذكر الرأس وحده فعند البخاري ومسلم. وأما ذكر العمامة وحدها فعند الترمذي وحده. وأما الجمع بين العمامة والناصية فعند مسلم وأبي داود والنسائي.
(٢) الإحكام ١/ ٣٣٤
(٣) المغني ١/ ١٢٥

<<  <  ج: ص:  >  >>