للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يمثّل الأصوليون في باب الأفعال النبوية بأنه - صلى الله عليه وسلم - (رَجَم) ماعزاً، و (قطع) سارق رداء صفوان. ومن المعلوم أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يباشر ذلك، ولكن فعل بأمره.

وقد اعترض على التمثيل بذلك ابن الهمام في التحرير، ثم قال: "إلا أن يُجعل فعل المأمور كفعله - صلى الله عليه وسلم - لمّا كان بأمره، وفيه ما فيه" (١)

وأنا أقول: إن القول النبوي الذي بمعنى الإفتاء والإخبار بحكم الشرع هو (قول)، وما فعل بناء عليه يكون منسوباً إلى فاعله لا إلى الآمر به. وذلك كما نصلي ونصوم ونحج ولا ينسب فعلنا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -.

وأما الأمر التنفيذيّ الصادر عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، بوصفه (إمام العامة) أو القائد أو الأمير، أو نحو ذلك، فإن ما يفعله المأمور تنفيذاً مطابقاً، فهو من جهةٍ فعل للمأمور، لأنه قام بالحركة، فتنسب إليه حقيقة. ويجوز نسبته إلى الآمر به، - صلى الله عليه وسلم -.

وأهل البيان يجعلون نسبة الفعل إلى الآمر به من المجاز العقليّ، لما كان الآمر هو السبب في وجود الفعل وليس هو الفاعل الحقيقي.

إلا أن مرادنا هنا توضيح أن مثل ذلك الفعل هل ينسب إلى النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، حتى يكون من باب الأفعال النبوية، ويستدل به كما يستدل بالأفعال، فيدل مثلاً إذا كان مجرداً على الاستحباب في ما هو من باب القرب، أو هو أمر فيستدل به على الوجوب؟ وهي مسألة مهمة تنبني عليها فروع كثيرة.

إن الشخص الذي وُجّه إليه الأمر التنفيذي يلزمه الطاعة، لأنه (مأمور) والأمر يقتضي الوجوب. ولكن غيره ممن لم يؤمر به، يقتدي بالفعل، ويعتبره كسائر أفعاله - صلى الله عليه وسلم -، فيجري عليه قانون الاستدلال بالأفعال النبوية.

ووجه ذلك أن المأمور في هذه الحال لا يزيد عن كونه كالآلة للآمر، وخاصّة وأنه - صلى الله عليه وسلم - نبيّ ورسول، فتابعه المأمور ليس له الخيرة من أمره، ولا محيص له من التنفيذ، طاعة منه لأمر الله ورسوله، وثقةً بأن تقدير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للحكم


(١) التقرير والتحبير ٢/ ٣٠٢، ٣٠٣

<<  <  ج: ص:  >  >>