للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهي في الحقيقة مضمومة إلى قول. ومثله حديث أبي هريرة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "يقبض العلم، ويظهر الجهل والفتن، ويكثر الهرج". قيل: يا رسول الله: وما الهرج؟ فقال بيده هكذا فحرفها، كأنه يريد القتل (١).

أما بيان الأحكام بإشارة مجرّدة عن سؤال أو نطق بالكلية، فلم نظفر له بمثال.

وقد نقل الزركشي (٢) عن ابن السمعاني أنه قطع بصحة البيان بالإشارة. ونقل عن صاحب الواضح، ولعله يعني ابن عقيل الحنبلي، أنه قال: "لا أعلم خلافاً في الكتابة والإشارة يقع بهما البيان". وعدَّ الزركشي (٣) وغيره الإشارة قسماً من أقسام السنة، ومقتضى الإطلاق أن البيان يصح حتى بهذا النوع الثالث.

وهم إنما يمثلون بأمثلة من النوع الأول.

واحتجّ أبو يعلى الحنبلي (٤) للبيان بالإشارة، بقوله تعالى عن زكريا: {قال رب اجعل لي آية * قال آيتك ألاّ تكلم الناس ثلاث ليال سويا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبّحوا بكرة وعشيا} (٥). ومثله قوله تعالى لزكريا: {قال آيتك ألاّ تكلّم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً} ثم قال: فقد قامت إشارته مقام القول في بلوغ المراد.

وليس هذا بحجة. فإن زكريا أفقده الله القدرة على النطق في تلك الأيام الثلاثة فرجع كالمعتقل لسانه، كما تدل عليه الآية {آيتك ألاّ تكلم الناس}.

ومن هذا يتبيّن أن الأصوليين لم يحرّروا هذا الموضع كما ينبغي له.


(١) صحيح البخاري ١/ ١٨١
(٢) البحر المحيط ٢/ ١٨١ ب.
(٣) البحر المحيط ٢/ ٢٦٠ أ.
(٤) العدد ٧ أ.
(٥) سورة مريم: آية ١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>