للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد مثّل الشاطبي في باب الأفعال (١) بتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - للزاني بصريح السؤال، حيث قال له: "أفعلت كذا؟ أفعلت كذا؟ " حتى قال له: "كما يدخل الرشاء في البئر؟ " إلى آخر ما قال - صلى الله عليه وسلم -.

قال الشاطبي: والقول هنا فعل، لأنّه معنى تكليفيّ لا تعريفيّ. فالتعريفي هو المعدود في الأقوال، وهو الذي يؤتى به أمراً أو نهياً أو إخباراً بحكم شرعي، والتكليفي هو الذي لا يعرِّف الحكم بنفسه من حيث هو قول، كما أن الفعل كذلك. اهـ.

فهذا تفصيل جيد.

ولكنا لسنا نرتضي هذه التسمية (المعنى التكليفي) لأن التكليف متعلّق بالشرع، والمسألة لغويّة محضة. وهذا الاختلاف بين جهتي القول واقع في كل قول، سواء صدر من المنتسبين إلى الشرع أم غيرهم.

فما عبّرنا به من (الوجه الفعلي للقول) أوضح ممّا عبّر به الشاطبي رحمه الله.

وقد ذكر أبو الحسين البصري (٢) في زيادات المعتمد، في قسم الأفعال، قضاءه - صلى الله عليه وسلم - على الغير، ثم قال:

"ولقائل أن يقول: لم أدخلتم القضاء في جملة الأفعال، مع أنه قول؟ وأنتم إنما تتكلمون في أبواب الأفعال في الأفعال التي هي أفعال الجوارح؟ قال: والجواب: إنما تكلّمنا في القضاء هاهنا لأنه كأفعال الجوارح بالغير. ولم يجزْ ذكره في ما قبل، فذكرناه هاهنا لمشابهته للأفعال المتعلقة بالغير قال: وإذا أردنا حَسْم هذا الاعتراض قلنا في القسمة: إن ما يسند إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - في ما يتعلق بغيره أفعال وتروك. والأفعال ضربان: أفعال هي أقوال، وأفعال ليست أقوالاً".

ثم قال: "وإنما قسمْنا الأفعال إلى أقوال وإلى غير أقوال، لأنّ الفعل إذا أطلق أفاد كل ما يفعله الفاعل من قول وغير قول. وإذا جعل في مقابلة قول، لم يدخل القول تحت الفعل". اهـ.


(١) الموافقات ٤/ ٥٩
(٢) المعتمد ٢/ ١٠٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>