للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "فهذا سؤال بعيد جداً عن معرفة هديه وسنته وما كان عليه، ولو صحّ هذا السؤال وقُبِل، لاستَحَبَّ لنا مستحب الأذان للتروايح، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل؟ واستحبَّ لنا مستحبٌّ آخر الغسل لكل صلاة، وقال: من أين لكم أنه لم ينقل ...... وانفتح باب البدعة، وقال كل من دعا إلى بدعة: من أين لكم أن هذا لم ينقل؟ ومن هذا تركه أخذ الزكاة من الخضراوات والمباطخ، وهم يزرعونها بجواره بالمدينة كل سنة فلا يطالبهم بالزكاة، ولا هم يؤدونها إليه".

ونحن نرى أن هذه مسألة مهمة، فإن إثبات هذه القاعدة على إطلاقها، يقتضي أن كل ما لم ينقل فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - له، فقد تركه، ويكون ذلك حينئذٍ بمنزلة النص على حكمه، وذلك يقتضي منع إجراء العموم على وجهه ليشمل ما لم يرد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله، وكذلك يقتضي منع القياس في ذلك أيضاً. ومقتضى هذا ألا يعمل بعموم قرآن أو حديث حتى ينقل لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله.

ونحن سنناقش هذه القاعدة الأصولية من خلال تتبعنا لخلاف العلماء في هذا الفرع الفقهي، وهو أصناف الخارج من الأرض التي تؤخذ منها الزكاة. وإنما اخترنا هذا الفرع، لأن كل الذين أثبتوا هذه القاعدة، ممن تقدّم ذكرهم، مثلوا به.

وقد استقرأنا الأحاديث الفعليّة في قضية المعشرات من الخارج من الأرض، فوجدنا أن أصناف الخارج من الأرض التي نقل إلينا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخذ الزكاة منها أربعة أصناف لا غير، وهي التمر، والزبيب، والشعير، والقمح. ولم ينقل عنه أنه أخذ الزكاة مما سوى هذه الأصناف. ولا نصّ على شيء غيرها في حديث قوليّ.

واستقرأنا مذاهب الفقهاء (١) فوجدناهما كما يلي:

١ - منهم من يقتصر على هذه الأصناف ما عدا الزبيب. ومن هؤلاء أحمد في رواية وجميع الظاهرية ما عدا ابن حزم.


(١) ابن حزم: المحلى ٥/ ٢١٠ وما بعدها. ابن قدامة: المغني ٢/ ٦٩٠ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>