للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد جعل المانع من إيجاب الزكاة في الخضار والفواكه بقاءها على الأصل. وهو شيء آخر غير إدعاء أن ترك النقل نقل للترك.

فنرى أن جمهرة الفقهاء لم يأخذوا بهذه القاعدة في هذه المسألة. وأن المعتمد إما البقاء على الأصل، وإما الخروج عنه بدلالة.

وأما ما قاله ابن القيم من أنه يلزم من عدم القول بهذه القاعدة جواز البدع وفتح بابها، فهو مردود، لأننا إذا ثبتنا على الأصل حتى ينقلنا عنه ناقل صحيح لم يلزم ما قال. فإنّ ما مثّل به لم يرد فيه عموم قولي.

والذي نؤكّده أن النصّ التشريعي إذا كان عاماً فينبغي حمله على عمومه، ما لم يخصَّص بمخصص صحيح، ولا يكفي في التخصيص أن ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - فعل بعض أفراد ذلك العموم، بدعوى أن ترك النقل نقل للترك في ما سوى ذلك الذي نقل إلينا من فعله.

أما لو نقل أنه ترك بعض أفراد العموم فذلك صالح للتخصيص بلا شك. ولو كان ترك النقل نقلاً للترك لكان القائلون بإيجاب الزكاة في سائر ما يقتات ويدّخر، عاملين على خلاف (المنقول) عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وذلك قول مردود على مدّعيه. وقد وجدنا ابن العربي المالكي ذهب إلى هذا الذي قلناه، فقد قال في كتابه أحكام القرآن (١) عند قوله تعالى: {وآتوا حقه يوم حصاده} ما يلي:

"فإن قيل: فلم لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه أخذ الزكاة من خضر المدينة ولا خيبر؟.

قلنا كذلك قال علماؤنا، وتحقيقه أنه عدم دليل، لا وجود دليل.

فإن قيل: لو أخذها لنقل.

قلنا: وأيُّ حاجة إلى نقله والقرآن يكفي فيه؟ ". اهـ.

فقوله: (والقرآن يكفي فيه) هو ما قلنا من إعمال عموم القرآن. ولا يتوقف على ما نقل الأخذ منه فعلاً.


(١) أحكام القرآن، ط عيسى الحلبي ٢/ ٧٥٢

<<  <  ج: ص:  >  >>