للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: أن يسكت مع وجود الحكم في المسألة. ولكن يمنعه من الإجابة مانع.

لنعقد لكل من القسمين مطلباً.

[المطلب الأول السكوت لعدم وجود حكم في المسألة]

كان - صلى الله عليه وسلم - إذا سئل عن حادثة ليس فيها حكم، يسكت منتظراً للوحي. أما إن كان فيها حكم، ولم يمنع من الجواب مانع، فقد كان - صلى الله عليه وسلم - مأموراً بالجواب. لقوله تعالى: {وأنزلنا إليك الذكر لِتُبَيِّن للناس ما نزّل إليهم} (١) فلو سكت لم يكن مبيّناً.

ومن هنا، فإذا سكت، مع عدم وجود المانع، علم أنه ليس في المسألة حكم (٢). ثم إذا لم يأت بيان بعد ذلك بقي أمر تلك الحادثة على حكم الأصل.

وقد مثل لذلك القاضي عبد الجبار (٣) بأنه - صلى الله عليه وسلم - لو سئل عن قول القائل لزوجته: أنتِ ألبتة، وحبلكِ على غاربكِ، إلى غير ذلك من الكنايات، والحادثة واقعة، فسكت، من غير تنبيه، لوجب أن يدل ذلك على أن الكنايات لا تؤثر كتأثير الطلاق الصريح.

فمّما ورد في السنة من هذا النوع من السكوت، ما روى جابر: "أن امرأة سعد بن الربيع قالت: يا رسول الله، إن سعداً هلك، وترك بنتين وأخاه، فعمد أخوه فقبض ما ترك سعد، وإنما تنكح النساء على أموالهن. فلم يجبها في مجلسها ذلك. ثم جاءته فقالت: يا رسول الله، ابنتا سعد؟ فقال ادع [هكذا بالأصل] لي أخاه، فجاء، فقال له: ادفع إلى ابنتيه الثلثين، وإلى امرأته الثمن، ولك ما بقي" (٤). وفي رواية الترمذي: فنزلت آية المواريث.


(١) سورة النحل: آية ٤٤
(٢) القرافي: شرح تنقيح الفصول ص ١٢٢. الزركشي: البحر المحيط ٢/ ١٨١ ب.
(٣) المغني: ٢/ ٢٧٤
(٤) رواه أبو داود وهذا لفظه والترمذي وابن ماجه (تفسير القرطبي ٥/ ٥٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>