للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طبخوا لحوم الحمر، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقدور فأُكفئت: و"شق دنان الخمر بسكين في يده" (١).

الثانية: الإنكار بالقول الصريح، ومنه النهي عن الفعل، والإخبار بأنه ذنب أو معصية أو كبيرة أو صغيرة، ونحو ذلك من الصرائح، كقوله لعائشة لما نعتت صفية بالقصر: "لقد قلتِ كلمةً لو مُزِجَتْ بماء البحر لمزجته" (٢) وقوله للمسيء صلاته: "ارجع فصلّ فإنك لم تصلّ"

الثالثة: التكلم بما هو من لوازم الذنب والمعصية، كالاستغفار للفاعل، والعفو عنه، والتنازل عن الحق المترتب على فعله، ونحو ذلك.

الرابع: أن يتكلم بما يستلزم بطلان القول الذي سمعه. ومثال هذا النوع ما ورد في قصة سعد بن معاذ أنه قال: "لو رأيت مع امرأتي رجلاً لضربته بالسيف غير مصفح". فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: "تعجبون من غيرة سعد؟. والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن أجل غيرة الله حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن. ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين" (٣).

فقد ظنّ البعض أن هذا إقرار على القول. وليس ذلك على إطلاقه، بل قد أقرّ الغيرة، وأنكر ما أوهمه القول من عدم الحاجة إلى البينة في ذلك. فإن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا أحد أحب إليه العذر من الله" إلزام بالبيّنة.

ومنه أنه لما خلع نعليه في الصلاة خلوا نعالهم، فقال - صلى الله عليه وسلم -: "لم خلعتم نعالكم؟ " اعتبره ابن حزم (٤) إنكاراً، واعتبره غيره استفساراً مجرّداً.

ومنه ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، ثم أعطى عبد الله بن الزبير دم الحجامة ليريقه، فذهب فشرب الدم، فشعر بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال له: "ويل لك من الناس، وويل للناس منك" (٥). فهذا إنكار.


(١) رواه البيهقي (تفسير ابن كثير. ط بيروت ٢/ ٦٤٠).
(٢) رواه أبو داود والترمذي.
(٣) رواه البخاري ١٣/ ٣٩٩
(٤) الإحكام ص ٤٣٠
(٥) رواه الطبراني (البداية والنهاية لابن كثير ٨/ ٣٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>