للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مراسيمهم في العقود والأقضية وغيرها. وأزال أشياء أخرى كإيذاء المسلمين. وأقرّ المجوس على معابدهم، مع ما يعمل فيها من الكفر بالله والشرك به. واعتمر عمرة القضية، فطاف بالكعبة وعليها الأصنام وفيها الصور. وطاف بين الصفة والمروة، وعليهما تمثالان لإساف ونائلة. فلم يكن ذلك حجة على صحة ذلك الوضع. ومن أجل هذا لا يكون سكوته عن الإنكار على فعل الكافر حجة على رفع الحرج. ولكن هو مع ذلك حجة على أنه يجوز للأئمة إقرار أهل الذمة على مثل ما أقرهم عليه النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا النوع هو من الاستدلال بالأفعال، لا من حيث إنه تقرير.

وأما المنافق فقد اختلف فيه، لأنه من حيث هو كافر في الباطن، فهو ملحق بالكافر، وبهذا قال الجويني. ووافقه السبكي والشوكاني وغيرهم.

أقول: وعندي في ذلك تفصيل، فأما من كان نفاقه خفياً لا يعلمه جمهور الصحابة، فهذا تجري عليه أحكام المسلمين، ويكون إقراره حجة.

وذهب آخرون إلى أن المنافق ملحق بالمؤمنين، لأنه تجري عليه أحكام المؤمنين ظاهراً، فيكون إقراره حجة.

وأما من كان نفاقه ظاهراً، وقد تمرّد وعتا وجاهر بنفاقه، فلا ينبغي أن يُشَكّ في أن إقراره ليس بحجة. وهذا كما رُوِي أن عبد الله بن أبيّ رجع بأصحابه عن مساعدة النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزوة أحد (١)، وكان له إماء: "يكرههن على البغاء (٢) يأكل من كسبهن السحت، وحالف اليهودَ خشية أن تصيبه الدوائر، فكل ذلك لا حجة فيه على جواز مثله من المسلمين. وقد قال ابن مسعود في شأن الصلاة: "لقد رأيتنا وما يتخلّف عنها إلا منافق معلوم النفاق" (٣).

وقد قال ابن تيمية: "إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن أبيّ وأمثاله من أئمة النفاق، لما لهم من أعوان. فإزالة منكره بنوع من عقابه مستلزمة إزالة معروف أكثر من ذلك، بغضب قومه وحميّتهم، وبنفور الناس إذا سمعوا أن محمداً يقتل أصحابه" (٤).


(١) سيرة ابن هشام ٢/ ٦٤
(٢) القصة في صحيح مسلم (تفسير القرطبي١٢/ ٢٥٤).
(٣) رواه أبو داود ٢/ ٢٥٥ وابن ماجه.
(٤) الفتاوى الكبرى ٢٨/ ١٣١

<<  <  ج: ص:  >  >>