للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تيمية: "لو كان المكيّون قد قاموا فأتموا الظُّهر أربعاً، وأتموا العصر والعشاء أربعاً أربعاً، لما أهمل الصحابة نقل هذا". اهـ. وهذا يدل عنده على أنهم قصروا، ولم ينكر النبي - صلى الله عليه وسلم - عليهم، ورجّح بهذا مذهب أهل المدينة من أن للمكيين القصر بالمناسك بعذر النسك، على مذهب الشافعي وأحمد أنهم لا يقصرون.

وعندي أن مذهب الشافعي وأحمد أصح، وذلك من حيث إن ترك النقل ليس نقلًا للترك، كما تقدم بيانه في فصل الترك.

وأيضاً فإن الشرع كان قد استقرّ على أن غير المسافر لا يقصر، وأهل مكة بالنسبة إلى المناسك ليسوا في حال سفر.

وأيضاً لما أمرهم بالإتمام أول مرة عُلِمَ الحكم، فلا يلزم تكرار البيان. والله أعلم.

تنبيه: يجب أن يفرق بين دلالة التقرير على جواز الفعل وصحته من حيث الظاهر، وبين دلالته على ذلك من حيث باطن الأمر، فإن الأول لازم للتقرير دون الثاني. وقد ورد من حديث أسماء بنت أبي بكر، قالت: "أفطرنا على على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم غيم، ثم طلعت الشمس" (١).

وتخاصم إليه رجلان في أرض فقال: "إنكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم أن يكون ألْحَنَ بحجته من بعض، فأقضي له على نحو ما أسمع، فمن قضيت له بشيء من حق أخيه فلا يأخذه ... " الحديث.

ويشهد له أنه - صلى الله عليه وسلم - قُرِّب إليه لحم الضب فأراد أن يأكل منه، فقيل له: إنه لحم ضبّ، فأمسك عنه. وتقدّم مثل هذا في بحث العصمة من باب الأفعال الصريحة.

وقد قال أبو الحسين البصري: "نقل عن عبد الجبار: إذا أباح إنسان


(١) البخاري (فتح الباري ط الحلبي ٥/ ١٠٢) وأبو داود.

<<  <  ج: ص:  >  >>