للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حجية هذا النوع. ومنه حديث عائشة أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر فأعهد، أن يقول قائلون أو يتمنى المتمّون، ثم قلت: يأبى الله ويدفع المؤمنون" (١).

٤ - وإما أن يخبرنا بأنه همّ بالشيء ولم يفعله، دون زيادة. وهو الهمّ المجرّد. ومثاله حديث: "لقد هممت أن لا أتّهب هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي" (٢).

قولنا في ذلك: الظاهر أن الهمّ لا يدلّ على مثل ما يدل عليه الفعل لو فعله. فما قال الشوكاني من أن: "الهمّ ليس تنجيزاً للفعل" صحيح، وينبغي أن يعتمد. فهو - صلى الله عليه وسلم - لم يُخْرِج ما همّ به إلى حيّز الوجود، فيحتمل أن تكون هناك موانع شرعية منعته من ذلك، أو أنه - صلى الله عليه وسلم - وجَد السبب أقلّ من أن يكون كافياً لبناء الحكم عليه.

فلا يتمّ القول بأن الهمّ المجرد أقسام من أقسم السنة.

وعليه فإن استدلال البخاريّ وابن حجر وابن العربي بحديث الهمّ بتحريق المتخلفين على بعض الأحكام، فيه نظر، ومن ذلك ما بوّب عليه البخاريّ: (باب إخراج أهل الرَيب من البيوت بعد المعرفة) (٣) وما قال ابن حجر: "فيه من الفوائد جواز العقوبة بالمال ... وفيه جواز أخذ أهل الجرائم على غرة ... واستدل به ابن العربي وغيره على مشروعية قتل تارك الصلاة متهاوناً بها ... وفيه الرخصة للإمام أو نائبه في ترك الجماعة لأجل إخراج من يستخفي في بيته ويتركها، ولا بعد أن تلحقه في ذلك الجمعة ... واستدل به ابن العربي على جواز إعدام محل المعصية كما هو مذهب مالك" (٤).

وأما تبويب البخاري على الحديث في موضع آخر: "باب وجوب صلاة


(١) حديث عائشة: "لقد هممت أن أرسل إلى أبي بكر ... " انفرد به البخاري.
(٢) حديث: "لقد هممت أن لا أتهب ... " رواه أحمد: المسند، تحقيق أحمد شاكر ٤/ ٢٤٠ وقال: "قال في مجمع الزوائد: رجاله رجال الصحيح، ونسبه ابن حجر في التلخيص إلى ابن حبان في صحيحه".
(٣) فتح الباري ١٣/ ٢١٥
(٤) المصدر نفسه ٢/ ١٣٠

<<  <  ج: ص:  >  >>