للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تنفع في المعرفة بنبوّته وصدقه. قال ابن تيمية: "فهذه الأمور ينتفع بها في دلائل. النبوّة كثيراً. ولذلك يُذكَر مثل ذلك في كتب سيرته، كما يذكر فيها نسبه وأقاربه، وغير ذلك مما يعلم به أحواله" (١).

ومثال ذلك ما ذكرته خديجة حين قالت (٢): "كلاّ والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتكسب المعدوم وتعيّن على نوائب الحق".

ولهذا كان أعلم الناس به - صلى الله عليه وسلم - أسرعهم إلى تصديقه، لما يعلمون من صدقه وأمانته.

ثم ذكر ابن تيمية أن كتب الحديث أخصّ بما بعد النبوّة، وقد تذكر أشياء مما حدث قبل النبوة، ولكنها "لا تؤخذ لتشرع ... بل قد أجمع المسلمون على أن الذي فرض (الله) على عباده الإيمان به والعمل هو ما جاء به بعد النبوة. ولهذا كان من ترك الجماعة وتخلّى في الغيران والجبال، حيث لا جمعة ولا جماعة، وزعم أنه يقتدي بالنبي - صلى الله عليه وسلم -، لكونه متحنّثاً في غار حراء قبل النبوة، في ترك ما شرع من العبادات الشرعية التي أمر الله بها رسوله، كان مخطئاً. فإنه بعد أن كرمه الله بالنبوّة لم يكن يفعل ما فعله قبل ذلك من التحنث".

وهذا الكلام الذي ذكره ابن تيمية حق. إلاّ أنه يعرض النظر في أن الله تعالى، وإن لم يكن قد كلّف محمداً - صلى الله عليه وسلم - بأعباء الرسالة، لكنه قد صنعه على عينه، وجده يتيماً فآواه، وعائلاً فأغناه، وأدّبه فأحسن تأديبه. وهذا يقتضي أن بعض العادات التي تميّز بها، وأُثرت عنه في ذلك العهد، يمكن أن تكون موضع قدوة. وهذا إنما يكون في ما يظهر حسنه ولا يخالف شرعاً. وقد وجدنا البخاري قال في صحيحه: باب كراهة التعرّي في الصلاة وغيرها. ولم يذكر فيه إلا حديث جابر: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان ينقل معهم الحجارة للكعبة وعليه إزاره، فقال له عمه العباس: يا ابن أخي، لو حلّلت إزارك فجعلته على منكبيك دون الحجارة". قال: "فحلّه فجعله على منكبيه، فسقط مغشياً عليه. فما رؤي بعد ذلك عرياناً" (٣).


(١) الفتاوى الكبرى ١٨/ ١٠
(٢) البخاري ١/ ٢٢ ومسلم.
(٣) صحيح البخاري ١/ ٤٧٤

<<  <  ج: ص:  >  >>