للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسول الله أسوة حسنة} ونحوه .. ومجرد فعله لذلك الفعل بحيث يطلع عليه غيره من أمته ينبغي أن يحمل على قصد التأسّي به، إذا لم يكن من الأفعال التي لا يتأسّى به فيها كأفعال الجبلة" (١). وقال القرافي مثل ذلك (٢).

وكان غريباً من الآمدي (٣) والسبكي (٤) أن يقولا في الفعل المجرّد إنه بصفته العامة دليل في حق الأمة، لما ورد في ذلك من الآيات والأحاديث، ثم يشترطا لحصول التعارض قيام دليل خاص على التأسّي بالفعل.

وقد وجه البناني ووافقه الشربيني (٥) اشتراط قيام دليل خاص على التأسّي بالفعل، ليتم التعارض، مع إثبات التأسّي بالفعل المجرّد، بأن الفعل المجرّد إذا لم يعارضه قول، يمكن التأسّي به، للأدلة العامة القاضية بوجوب التأسيّ، أما إذا نوقض فإنه يضعف بتلك المناقضة، فيحتاج إلى قيام دليل خاص يدل على التأسّي ليصح التعارض. فإن لم يقم ذلك الدليل الخاص وجب تقديم القول مطلقاً.

وظاهر كلام العلائي (٦) أن أول من اشترط هذا الشرط الآمدي وابن الحاجب، ولم يذكره الرازي في محصوله (٧).

وعندي أن كلام القرافي والشوكاني أسدّ وأصوب، لأنه وإن كانت دلالة الفعل تضعف بمناقضة القول له، فدلالة القول أيضاً تضعف بمناقضة الفعل، فيبقيان على ما كان عليه من التناسب في القوة.

والذي نعتقده أن الفقه الإسلامي بُنِي على تجاهل هذا الشرط، فإنه بتتبع كلام الفقهاء في استدلالاهم بالأحاديث، نجد غالبهم لا يلاحظون هذا الشرط ولا يقيمون له وزناً، كما سننقله في الأمثلة التي في آخر هذا الفصل إن شاء الله.


(١) إرشاد الفحول ص ٤١
(٢) القرافي: شرح تنقيح الفصول ص١٢٨والعلائي: تفصيل الإجمال ق ٥٨ ب، ٦٣ ب.
(٣) انظر الإحكام ١/ ٢٧٨
(٤) انظر جمع الجوامع ٢/ ١٠٠
(٥) حاشية على شرح جمع الجوامع ٢/ ١٠٠
(٦) تفصيل الإجمال ق ٥٢ أ.
(٧) أبو شامة: المحقق ق ٤٩ أ.

<<  <  ج: ص:  >  >>