للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النسخ لقول سابق وهو لا يريده، أو نحو ذلك. فيبيّن ما يفرق به رائي الفعل بين ما يجوز وما لا يجوز.

من ذلك إنه بكى - صلى الله عليه وسلم - عندما ظنّ أن سعد بن عبادة مات. وكان قد نهى عن النياحة، وقال: "إن الله لا يعذّب بدمع العين، ولا بحزن القلب. ولكن يعذّب بهذا أو يرحم" (١). وأشار إلى لسانه.

ومن ذلك أنه غضب عندما علم أن علياً يريد أن يتزوج زوجة أخرى على فاطمة رضي الله عنهما، ولم يأذن في ذلك، ثم قال: "وإني لست أُحرِّم حلالاً، ولا أُحل حراماً. ولكن والله لا تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكاناً واحداً أبداً" (٢). فبيّن أن غضبه ليس لكون الأمر محرماً، بل هو على الحل، وإن كان يرفضه هو.

ولم يتحلل من عمرته في حجة الوداع، فامتنع بعض الناس من التحلل، فبيّن لهم أن الذي معه من الحل أنه ساق الهدي، فلا يحل حتى ينحر.

ومن ذلك أنه كان إذا فعل فعلًا بمقتضى الرخصة والعذر، ينبّه أحياناً على ذلك من لا يدري، لئلا يظن أن ذلك الفعل هو العزيمة. ومثاله أنه - صلى الله عليه وسلم - لما صلى بأصحابه بمكة قصراً، وكان معهم في الصلاة مكيون، قال لهم: "يا أهل البلد صلوا أربعاً فإننا قوم سفر" (٣).

الأمر الخامس: حرصه - صلى الله عليه وسلم - على نقل أفعاله إلى الناس ليقتدوا بها ويتعلموا منها أحكام الشريعة، فكثيراً ما كان يعمل العمل في مكان بارز، ويستدعي التفات الناس إليه، كما فعل في يوم عرفة، إذ شرب وهو يخطب الناس، وهم ينظرون إليه (٤)، ليعلم الناس أن سنة الواقف بعرفة الفطر.


(١) رواه البخاري ومسلم (جامع الأصول ١١/ ٤٠٦)
(٢) رواه البخاري ومسلم والترمذي وأبو داود (جامع الأصول ١٠/ ٨٣)
(٣) رواه أبو داود والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح (عون المعبود ٤/ ٩٦)
(٤) يفهم من روايات البخاري (نيل الأوطار ٢٥٢، ٢٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>