للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المروزي الشافعي، وعن أبي الحسن الكرخي الحنفي (١). ونقله السرخسي (٢) عن (بعض المتكلمين)، وقال: "إن هذا منهم بناء على أصلهم أن بيان المجمل لا يكون إلا متصلاً به. والفعل لا يكون إلا منفصلاً عن القول". ثم قال: "فأما عندنا: بيان المجمل قد يكون متصلاً به، وقد يكون منفصلاً عنه".

وذكر البناني (٣) أن محل الخلاف إذ لم يعلّق البيان بالفعل قولاً. وإلاّ فلو قال: القصد بما كلفتم به من هذه الآية ما أفعله، ثم فعله، فلا خلاف أنه بيان، كما ذكره القاضي (الباقلاني) في تقريبه.

أقول: فعلى هذا لا ينبغي أن يكون خلاف في أن ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع مثلاً، بيان لآية الأمر بالحج، لكونه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم: "خذوا مناسككم لعليّ لا أحجّ بعد حجتي هذه" (٤).

وكذلك لما صلّى به جبريل لبيان أوقات الصلوات يومين متواليين، يصلي في اليوم الأول أول الوقت، وفي اليوم الثاني آخره، ثم قال: الوقت ما بين هذين.

أقول: وينبغي أن يحصر الخلاف أيضاً في الأفعال التي تدل بالأسوة، لا فيما يستعمل بمعنى المخاطبة، كالإيماء، والإشارة، فإنها قائمة مقام القول. كما سئل النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم النحر: "ذبحت قبل أن أرمي" فأومأ بيده، قال: "لا حرج" (٥).

وكما قال - صلى الله عليه وسلم -: "إن في الجمعة ساعةً لا يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي يسأل الله فيها خيراً إلا أعطاه إياه" (٦). وأشار بيده يقللها.


(١) انظر النقل عنهما في: إرشاد الفحول ص ١٧٣
(٢) انظر: أصول السرخسي ٢/ ٢٧
(٣) حاشية البناني على جمع الجوامع ٢/ ٦٨ وقد جعل صاحب تيسير التحرير (٣/ ١٧٥، ١٧٦) هذا النوع مما فيه الخلاف. وما قاله البناني والباقلاني أولى.
(٤) رواه مسلم ٩/ ٤٤ وهذا لفظه. ورواه النسائي ٥/ ٢٧٠ بلفظ يا أيها الناس خذوا مناسككم لا أدري لعلي لا أحج بعد عامي هذا.
(٥) رواه أبو داود (جامع الأصول ٤/ ١١١).
(٦) رواه مالك وأحمد ومسلم (الفتح الكبير).

<<  <  ج: ص:  >  >>