للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يفرّق له بينهما بترك التزامه من قبل المبيِّن. وفي حديث عائشة: "إن كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به مخافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" (١)، "وكان يحب ما خفّ على الناس" (٢).

وقصة إفطاره - صلى الله عليه وسلم - يوم عرفة بمرأى من الناس تصلح شاهداً لهذا الأصل.

وقام في رمضان ليلتين أو ثلاثاً، فقاموا خلفه حتى كثروا، فتركه بعد ذلك، حمله الخطابي (٣) على معنى الترك بياناً لئلا يظن وجوبه.

٤ - المكروه: بيانه ينقسم قسمين بحسب حال المبين له، كما تقدم في المندوب.

أ- فإن كان المبيّن له جاهلًا بأصل الحكم، فالبيان له يكون بالامتناع من الفعل، وإظهار كراهته، لتعلم. والترك في المكروهات هو الأصل في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - لمقتضى العصمة، كما سيأتي في مبحث الفعل البياني.

ب- وإن كان المكروه مظنّة اعتقاد لزوم الترك، كمن اعتقد المكروه محرماً أو خيف عليه أن يعتقد ذلك، فإن بيانه يكون بفعل المكروه. وسيأتي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد يفعل المكروه بياناً لعدم تحريمه. وهذا الغرض هو المقصود هنا. وعندما علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن أناساً كرهوا (٤) أن يستقبلوا بفروجهم القبلة قال: "أوَ قد فعلوها؟ حوِّلوا مقعدتي إلى القبلة" (٥).

٥ - المباح: بيان إباحته بفعله أحياناً وتركه أحياناً. ويتأكد الفعل إذا كان المباح مظنّة اعتقاد التحريم أو الكراهة، ويتأكد الترك إن كان مظنّة اعتقاد الوجوب أو الندب. وقد قال ابن مسعود: "لا يجعلنّ أحدكم للشيطان من نفسه جزءاً، لا


(١) رواه البخاري ٣/ ١٠
(٢) رواه مالك في الموطأ من حديث عائشة (فتح الباري ١٠/ ٥٢٥).
(٣) فتح الباري ٣/ ١٠
(٤) الكراهة هنا بمعنى التحريم.
(٥) رواه أحمد وابن ماجه، وقال النووي: إسناده حسن. وقال الذهبي حديث منكر (نيل الأوطار ١/ ٩٥، ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>