للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والخصوص المطلوبة، وبما يدل على الحكم المراد. وقد قال الشاعر:

القول ينفد ما لا ينفذ الإبَر

أما الفعل فلا يقع إلاّ على صورة واحدة، ولا يتعدّى تلك الصورة بنفسه، فلا يفهم منه بنفسه درجة الحكم أهي الوجوب، أم الاستحباب، أم الإباحة، ولا يعلم قدر انسحابه على أشخاص آخرين غير الفاعل، وعلى أحوال أخرى غير الحالة التي وقع عليها (١).

ثانياً: أن القول يمكن أن يُدَلَّ به على أنه بيان للمجمل، بخلاف الفعل، فإنه لا يدل بنفسه على ذلك، فلا يعلم ذلك إلا بدليل غير فعلي، إما بالقول، وإما بالعقل، وإما بأن يعلم ذلك بالضرورة من قصده.

ثالثاً: إن الفعل لا يمكن الدلالة به على المعدوم والمعقول، بل على الموجود والمحسوس خاصة، بخلاف القول، إذ يمكن التعبير به عن كل ذلك (٢).

رابعاً: إن الفعل البياني، قد يلازمه حركات وأوصاف غير مراد أن تكون بياناً، ويعرف ذلك بالاستقراء (٣). وهذا قد يجعل في كل جزء من أجزاء الفعل البياني احتمالاً أنه غير مراد. وهذه الاحتمالات لا يمكن إزالتها إلا بتكرار الفعل مع حذفها، أو بالقول، أو بغير ذلك من القرائن، كما وقف النبي - صلى الله عليه وسلم - بعرفة في مكان معين، فلئلا يظن ظان أن ذلك المكان مقصود قال: "وقفت هنا وعرفة كلها موقف". وقال في مزدلفة مثل ذلك، وقال في النحر بمنى: "نحرت هنا ومنى كلها منحر" (٤). وفي رواية (٥): "وكل فجاج مكة طريق ومنحر" (٦).


(١) القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمداني: المغني في التوحيد والعدل ١٧/ ٢٦٥، ٢٢٦، وانظر أيضاً: تيسير التحرير، حيث حكاه في ٣/ ١٤٨ والبناني: حاشيته على شرح جمع الجوامع ٢/ ١٠٠
(٢) عبد الله دراز: حاشية على الموافقات ٣/ ٣١٤
(٣) تيسير التحرير ٣/ ١٤٩ والبناني على شرح جمع الجوامع ٢/ ١٠٠ والعلائي: تفصيل الإجمال ق ١٢
(٤) تيسير التحرير ٣/ ١٧٦
(٥) رواه أبو داود ٥/ ٤١٣ وسكت عنه المنذري.
(٦) انظر: روايات الحديث في جامع الأصول ٤/ ٧٠

<<  <  ج: ص:  >  >>