للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إن هذا العمل جعلهم في بعض الأحيان يتبعون قواعد صماء لا ينظرون فيها إلى معاني الحديث أو فقهه، أو مخالفته، أو موافقته للقواعد العملية للشريعة التي سار عليها المتقدمون، وأدخل هذا العلم في متاهات صعبة.

إن الاعتماد على الإسناد حسب، واستناداً إلى توثيق الرجال وتضعيفهم جعلهم يلزمون المتقدمين بأشياء لم تكن تلزمهم، كما فعل الإمام الدارقطني في الإلزامات والتتبع، وكما فعل أبي عبد الله الحاكم في المستدرك مع كثرة أخطائه (١)، ولكنه بلا شك جاء بكثير من الأسانيد التي استخدمها الشيخان في كتابيهما ولكنهما لم يرويا هذه الأحاديث التي ساقها أو غيرها لأسباب لا نعرفها عموماً، ومن َثمّ أخذت فكرة الأسانيد التي على شرط

البخاري، أو شرط مسلم تظهر منذ ذلك الوقت المبكر عند المتأخرين مما خلق إرباكاً كبيراً ومساءلات لا حد لها في الأحاديث التي أوردها المتأخرون بموجب هذه القواعد النقدية التي لم يعرفها المتقدمون، ولا عملوا بها.

يقول أستاذنا الدكتور بشار: " شاع عند المتأخرين، ومنهم الحاكم، من قول: إن هذا الحديث على شرط الشيخين، أو على شرط البخاري، أو على شرط مسلم، وكأن شروطهما كانت معروفة لكل أحد من الناس، نعم، حاول بعض المتأخرين معرفة شروط الشيخين بالاستقراء ونقل بعض النصوص، كما فعل محمد بن طاهر المقدسي ت٥٠٧ هـ، والحازمي ت٥٨٤ هـ، ولكن هذا في حقيقة أمره مجرد تخمين واستنتاجات قائمة على استقراء غير تام لصنيع الشيخين في كتابيهما، فإن أحداً لا يمكنه الجزم بالطريقة التي تم بموجبها اختيار المؤلفين أحاديث كتابيهما، قال ابن طاهر المقدسي في مقدمة كتابه: " اعلم أن البخاري ومسلماً ومن ذكرنا بعدهما لم ينقل عن واحد منهم أنه قال: شرطت أن أخرج في كتابي ما يكون على الشرط الفلاني، وإنما يعرف ذلك من سبر كتبهم فيعلم بذلك شرط كل رجل منهم " (٢)،وقد انتقى الشيخان من الأحاديث انتقاءً لا ندرك تماماً الأسس التي تم بموجبها هذا الانتقاء، فلا ندري مثلاً لماذا انتقيا من موطأ مالك هذه الأحاديث، ولماذا انتقيا هذه المرويات من حديث نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنه -؟ ولماذا انتقيا


(١) من المعروف أن كثيرا من الرجال الذين زعم الحاكم أنهم من رجال البخاري أو مسلم هم ليسوا من رجالهما.
(٢) شروط الأئمة الستة ص ١٧.

<<  <   >  >>