للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الذي ذكرنا ليس بدعاً من القول، ولا فيه إساءة إلى الصحيح، إذ قاله إمامان عظيمان ممن عني بصحيح مسلم، ودرسه دراسة جيدة متخصصة، وهما: القاضي عياض، ومحيي الدين النووي، نقل النووي في شرح خطبة الإمام مسلم لصحيحه عن القاضي عياض قوله: " ووجدته ذكر في أبواب كتابه حديث الطبقتين الأوليين، وأتى بأسانيد الثانية منهما على طريق الاتباع للأولى والاستشهاد، أو حيث لم يجد في الباب الأول شيئاً، وذكر أقواماً تكلم قوم فيهم وزكاهم آخرون، وخرج حديثهم ممن ضعف أو اتهم ببدعة، وكذلك فعل البخاري.

فعندي أنه أتى بطبقاته الثلاث في كتابه على ما ذكر ورتب في كتابه، وبينه في تقسيمه، وطرح الرابعة كما نص عليه، فالحاكم تأول أنه إنما أراد أن يفرد لكل طبقة كتاباً ويأتي بأحاديثها خاصة مفردة، وليس ذلك مراده بل إنما أراد بما ظهر من تأليفه، وبان من غرضه أن يجمع ذلك في الأبواب، ويأتي بأحاديث الطبقتين فيبدأ بالأولى ثم يأتي بالثانية على طريق الاستشهاد والاتباع، حتى استوفى جميع الأقسام الثلاثة، ويحتمل أن يكون أراد بالطبقات الثلاث الحفاظ ثم الذين يلونهم، والثالثة هي التي طرحها، وكذلك علل الحديث التي ذكر ووعد أنه يأتي بها قد جاء بها في مواضعها من الأبواب

من اختلافهم في الأسانيد كالإرسال والإسناد، والزيادة والنقص، وذكر تصاحيف المصحفين، وهذا يدل على استيفائه غرضه في تأليفه، وإدخاله في كتابه كما وعد به. قال القاضي رحمه الله: وقد فاوضت في تأويلي هذا، ورأيي فيه من يفهم هذا الباب، فما رأيت منصفاً إلا صوبه، وبان له ما ذكرت وهو ظاهر لمن تأمل الكتاب وطالع مجموع الأبواب، ولا يعترض على هذا بما قاله ابن سفيان صاحب مسلم أنّ مسلماً أخرج ثلاثة كتب من المسندات، أحدها هذا الذي قرأه على الناس، والثاني يدخل فيه عكرمة، وابن إسحاق صاحب المغازي، وأمثالهما، والثالث يدخل فيه من الضعفاء، فانك إذا تأملت ما ذكر ابن سفيان لم يطابق الغرض الذي أشار إليه الحاكم مما ذكر مسلم في صدر كتابه، فتأمله تجده كذلك إن شاء الله تعالى. هذا آخر كلام القاضي عياض رحمه الله وهذا الذي اختاره ظاهر جداً والله أعلم " (١).

ويقول الحافظ ابن الصلاح في معرض الحديث عن منهجية الإمام مسلم هذه:


(١) شرح مسلم ١/ ٢٣.

<<  <   >  >>