للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يضره ذلك المس أيضًا، واستثنى من المخلصين مريم وابنها، فلأنه ذهب يمس على عادته فَحِيلَ بينه وبين ذلك، فهذا وجه الاختصاص، ولا يلزم منه تسلطه على غيرهما من المخلصين» ... الخ ما قال (١).

وقال القرطبي في " تفسيره " (٢): «قال قتادة: " كل مولود يطعن الشيطان في جنبه حين يولد غير عيسى وأمه جعل بينهما حجاب فأصابت الطعنة الحجاب ولم ينفذ منها شيء "، قال علماؤنا: وإن لم يكن كذلك بطلت الخصوصية بهما ولا يلزم من هذا أَنَّ نخس الشيطان يلزم منه إضلال الممسوس وإغواؤه فإن ذلك ظن فاسد، فكم تعرض الشيطان للأنبياء والأولياء بأنواع الإفساد والإغواء، ومع ذلك عصمهم الله مِمَّا يرومه الشيطان كما قال: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} (٣).

وقال الفخر الرازي (٤) بعد ذكر كلام القاضي عبد الجبار وَرَدِّهِ للحديث: «واعلم أَنَّ هذه الوجوه محتملة وبأمثالها لا يجوز دفع الخبر والله أعلم»، ثم قال: «والعجب من بعض أهل السُنَّة كيف يتبع المعتزلة في تأويل مثل هذه الأحاديث الصحيحة لمجرد الميل إلى ترهات الفلاسفة، مع أَنَّ إبقاءها على ظاهرها لا يروق لهم شربا ولا يضيق عليهم سربا» فهل من الأمانة في النقل أَنْ يفتري على الإمام الرازي وَيُقَوِّلُهُ ما لم يقل وينسب إليه ما ليس من كلامه؟ وهل يتفق ما نقلته عن الرازي بنصه هو وما زعمه من أن الرازي طعن في الحديث والحق أَنَّ الرازي نقل كلام القاضي عبد الجبار في الطعن في الحديث ورده كما سمعت، ولكن المؤلف كثيرا ما يخطف الأمور بسرعة فمن ثم يقع في الغلط وكثيرًا ما يتعمد بتر النصوص لحاجة في نفسه، وقال الإمام الألوسي في " تفسيره " بعد أَنْ عرض لرأي


(١) مِمَّا يزيدك يقيناً على أنَّ المؤلف يأخذ ما يشاء ويدع ما يشاء أنه اقتصر من كلام الحافظ على ذكر طعن الزمخشري وكلام الرازي، ولم يذكر توجه الحافظ لمعنى الحديث، وهو الذي نقلته لك هنا، وذلك لحاجة في نفسه لا تخفى عليك.
(٢) ٤/ ٦٨.
(٣) [سورة الحجر، الآية: ٤٢]، [سورة الإسراء، الآية: ٦٥].
(٤) " تفسير الرازي ": ٢/ ٦٥٨، طبعة بولاق.