للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا شك أن الصحابة - رِضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ - كانوا يأخذون الحديث عن رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولم يكونوا سواء في التفرغ للتلقي ولا في الملازمة ولا في الحفظ والذاكرة، فمن ثَمَّ تفاوتت مروياتهم قلة وكثرة، وكما كانوا يتلقون عنه بالذات كانوا يتلقون عنه بالوساطة عن صحابي آخر، وفي بعض الأحيان كان يراجع بعضهم بعضًا فيما يرويه، إما للتثبت والتأكد لأن الإنسان قد ينسى أو يسهو أو يغلط عن غير قصد، وإما لأنه ثبت عنده ما يخالفه أو ما يخصصه أو يقيده، أو لأنه يرى مخالفته لظاهر القرآن أو لظاهر ما حفظه من سُنَّةٍ إلى غير ذلك، فليس من الإنصاف أن نتخذ من هذه المراجعة دليلاً على اتهام الصحابة بعضهم لبعض، وتكذيب بعضهم لبعض، إلى غير ذلك من الدعاوى الكاذبة التي يطنطن بها المُبَشِّرُونَ وَالمُسْتَشْرِقُونَ ومن تابعهم من الكُتَّابِ المعاصرين الذين جعلوا من أنفسهم أبواقًا لترديد كلامهم.

والسيدة عائشة - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهَا - كانت عاقلة عالمة، وكانت لا تقبل الشيء إِلاَّ بعد اقتناع، وكانت تستشكل بعض الروايات التي لم تسمعها من رسول الله ورواها غيرها، لأنها تعارض ما سمعته في ظنها أو تخالف ظاهر القرآن، فمن ثم كانت تراجع بعض الصحابة، فمراجعتها لأبي هريرة لا تدل على اتهامها له أو تكذيبها إياه، ألا ترى أنها استشكلت بل ردت بعض روايات رواها الفاروق عمر وابنه عبد الله، وعمر فقيه الصحابة وصاحب الموافقات، وأحد وزيري رسول الله، وثاني الخلفاء الراشدين، ولا يتطرق إلى ساحته تهمة أو زيف ريبة بإجماع منا ومن أعداء السنن والأحاديث، فقد روى البخاري ومسلم في " صحيحيهما " أن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - لما روى حديث: «إِنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ»، فلما ذُكِرَ ذلك لعائشة قَالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، لاَ وَاللَّهِ مَا حَدَّثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِهَذَا، وَلَكِنَّ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ يَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا