للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على عدم تسمية ذلك شعرًا، وكيف خفي على المؤلف ذلك والله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - يقول: {وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (١).

فقد نفت الآية أن يكون القرآن شعرًا، وقصرته على كونه ذكرًا وقرآنًا مبينًا، يقول العَلاَّمَةُ الزمخشري - وهو من أدباء العربية غير منازع ورائد المفسرين في الكشف عن أسرار الإعجاز -: «أي وما علمناه بتعليم القرآن الشعر على معنى أن القرآن ليس بشعر وما هو من الشعر في شيء، والشعر إنما هو كلام موزون مقفي يدل على معنى فأين الوزن وأين التقفيه وأين المعاني التي ينتجها الشعراء من معانيه؟ وأين نظم كلامهم من نظمه وأساليبه؟ فإذا لا مناسبة بينه وبين الشعر إذا حققت، اللَّهُمَّ إِلاَّ أن هذا لفظ عربي كما أن ذاك كذلك ثم قال:

فإن قلت فقوله:

أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ * ... * ... * أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبْ

وقوله:

هَلْ أَنْتِ إِلاَّ إِصْبَعٌ دَمِيتِ * ... * ... * وَفِي سَبِيلِ اللهِ مَا لَقِيتِ

قلت: ما هو إِلاَّ كلام من جنس كلامه الذي كان يرمي به على السليقة من غير صنعة ولا تكلف إِلاَّ أنه اتفق ذلك من غير قصد إلى ذلك ولا التفات منه إليه أن جاء موزونًا، كما يتفق في كثير من إنشاءات الناس في خطبهم ورسائلهم ومحاوراتهم أشياء موزونة لا يسميها أحد شعرًا، ولا يخطر ببال المتكلم ولا السامع أنها شعر، وإذا فتشت في كل كلام عن نحو ذلك وجدت الواقع في أوزان البحور غير عزيز ... ولما نفى أن يكون القرآن من جنس الشعر قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُبِينٌ} (٢) يعني ما هو إِلاَّ ذكر من الله تعالى يوعظ به الإنس والجن كما قال: {إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ} (٣).

وما هو إِلاَّ قرآن كتاب سماوي يقرأ في المحاريب ويتلى في المتعبدات وينال بتلاوته والعمل بما فيه فوز الدارين، فكم بينه وبين الشعر الذي هو من همزات الشياطين؟».


(١) [سورة يس، الآية: ٦٩].
(٢) [سورة يس، الآية: ٦٩].
(٣) [سورة يوسف، الآية: ١٠٤]، [سورة ص، الآية: ٨٧]، [سورة التكوير، الآية: ٢٧].