للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم من أين بَدَا لأبي رَيَّةَ (١) أنَّ عمر بن عبد العزيز لما عاجلته المَنِيَّةُ انصرف ابن حزم عن كتابة الحديث وكذا انصرف كل من كانوا يكتبون معه؟ ولم لا يكون الأمر على خلاف هذا وأنهم سارعوا إلى جمع الأحاديث وتدوينها - وهذا هو الواقع - ولا سيما وهو يعلمون أَنَّ السُنَّةَ هي الأصل الثاني من أصول التشريع وأنهم حينما يقومون بجمعها وتدوينها وتنقيتها مِمَّا علق بها إنما يقومون بواجب ديني كريم فهذا هو الظن الذي يليق بهؤلاء السادة الذين هم من خير القرون بشهادة الرسول - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -.

ومِمَّا ينبغي أن يعلم أن التدوين، وإن كان بدأ بصفة عامة على رأس المائة الأولى، إِلاَّ أنه بدأ بصفة خاصة من عهد الرسول وفي حياته فقد كان بعض الصحابة والتابعين يقيدون الأحاديث والسنن وفي الروايات الصحيحة الموثوق بها ما يدل على ما أقول.

كِتَابَةُ بَعْضِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لِلأَحَادِيثِ:

ففي " صحيح البخاري " عن أبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - «لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ مِنِّي حَدِيثًا إِلاَّ مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ العَاصِ، فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، وَ [كُنْتُ] لاَ أَكْتُبُ».

وروى " البخاري " و" مسلم " أن أبا شاه اليمني التمس من النَّبِي صَلَّى اللَّهُ


(١) وقد تبيَّن لي أنَّ المؤلف ذيل لأحمد أمين وأنَّ الذي حمل أحمد أمين على ذلك هذا هو تشكيك بعض المستشرقين في خبر الأمر بجمع الحديث وإليك ما قاله أحمد أمين (" ضُحَى الإِسْلاَمِ ": ٢/ ١٠٦) بعد أنْ ذكر أمر عمر بن عبد العزيز لأبي بكر بن حزم بجمع الأحاديث قال: «ولكن هل نفذ هذا الأمر؟ كل ما نعلمه أنه لم تصل إلينا هذه المجموعة ولم يشر إليها جامعو الحديث بعد ومن أجل هذا شك بعض الباحثين المستشرقين في هذا الخبر إذ لو جمع من هذا القبيل لكان من أهم المراجع لجامعي الحديث ولكن لا داعي إلى هذا الشك، فالخبر يَرْوِي لنا أنَّّ عمر أمر ولم يَرْوِ أنَّ الجمع تم، فلعلَّ موت عمر سريعاً عدل بأبي بكر أنْ يُنَفِّذَ ما أمر به».
أقول: ولعله نَفَّذَ ما أمر به - وهو الأقرب - ولكنه اندثر فيما اندثر من آثار السلف الصالح وما كل ما أُلِّفَ وصل إلينا فإنَّ كتب الطبقة التي تلت هذه الطبقة لم يصل إلينا منها شيء إلاَّ " موطأ " الإمام الجليل مالك، وهكذا يتبيَّنُ لنا أنَّ المؤلف يريد أنْ يظهر بمظهر الباحث المستقل في البحث وهو إِمَّعَةٌ إِمَّعَةٌ!!