للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للعدالة فضلاً عن حد وذلك لحاجة في نفسه، لا تخفى عليك، ولو أنه نقل ما قاله العلماء في مبحث العدالة والضبط وشروطهما لعاد عليه بالنقص والإبطال لِجُلِّ ما ذكره.

وإليك ما ذكره العلماء في هذا، كي تزداد علما بأصالة منهج المُحَدِّثِينَ في النقد، وأن قواعدهم فيه أدق القواعد وأرقاها.

أما العدالة فقد عَرَّفُوهَا بِأَنَّهَا مَلَكَةٌ - أي حالة راسخة في النفس - تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة.

والتقوى هي امتثال المأمورات واجتناب المَنْهِيَّاتِ من كفر أو فسق أو بدعة.

والمروءة آداب نفسانية تحمل المتحلي بها على الوقوف عند محاسن الأخلاق وجميل العادات

وقالوا: إن ما يخل بالمروءة قسمان:

١ - الصغائر الدالة على الخِسَّةِ كسرقة رغيف أو شيء حقير مثلاً

٢ - المباحات التي تورث الاحتقار وتذهب الكرامة كالبول في الطريق وفرط المزاح الخارج عن حد الاعتدال.

والمراد بالعدالة: العدالة التامة لا القاصرة فإنها لا يعتد بها عند المُحَدِّثِينَ.

والعدالة بهذا الحد الذي ذكرته لا تتحقق إِلاَّ بالإسلام، والبلوغ، والعقل والسلامة من أسباب الفسق وخوارم المروءة، ومن ثم قال علماء الحديث إن عدل الرواية هو: المسلم البالغ العاقل السالم من أسباب الفسق وخوارم المروءة، وإن كان عبدًا أو امرأة أو أعمى أو محدودًا في قذف ثم تاب أو انفرد برواية الحديث، وذلك بخلاف عدل الشهادة فلا يقبل فيها من حد في قذف، أو كان أعمى أو امرأة أو رقيقًا، وذلك لأن الشهادة من قبيل الولاية ولا كذلك الرواية، وهكذا يَتَبَيَّنُ لنا أن الكافر والصبي والمجنون والفاسق (فاعل الكبيرة أو المصر على الصغيرة) وفاقد المروءة بمعزل عن عدل الرواية، وإنه لتظهر لنا دقة علمائنا الفائقة - جزاهم