للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ يَذْهَبُ فِي ذَلِكَ إِلَى عَرْضِهَا عَلَى مَا اجْتَمَعَ عَلَيْهِ مِنَ الأَحَادِيثِ وَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَمَا شَذَّ عَنْ ذَلِكَ رَدَّهُ وَسَمَّاهُ شَاذًّا».

ولا أدري كيف يؤاخذ على هذا؟ وعلماء أصول الرواية جعلوا من أصولهم أن الحديث قد يكون صحيح السند، ولكنه غير صحيح في ذاته لمخالفته رواته مَنْ هُمْ أوثق منهم وهو ما يعرف بالشاذ، ولعل ذلك إن صح يكون من بعض المُحَدِّثِينَ المُتَزَمِّتِينَ الذِينَ يُحَجِّرُونَ وَاسِعًا.

قَالَ: وَقَالَ الثَّوْرِيَّ: «كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ شَدِيدَ الأَخْذِ لِلْعِلْمِ ذَابًّا عَنْ حَرَمِ اللَّهِ أَنْ تُسْتَحَلَّ يَأْخُذُ بِمَا صَحَّ عِنْدَهُ مِنَ الأَحَادِيثِ الَّتِي [كَانَ] يَحْمِلُهَا الثِّقَاتُ [وَبِالآخَرِ] مِنْ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِمَا أَدْرَكَ عَلَيْهِ عُلَمَاءَ الْكُوفَةِ» وتتمة كلام الثوري - وقد أغفلها المؤلف -: «ثُمَّ شَنَّعَ عَلَيْهِ قَوْمٌ يَغْفِرُ اللهُ لَنَا وَلَهُمْ».

وليس في هذا ما يعود على الإمام بالنقص ولا ما يعود على الأحاديث بالتنقيص، وقد بَيَّنَ الثوري أن ما روي في ذمه لا يعدو أن يكون تشنيعًا وتجنيًا عليه.

قال: وقال وكيع بن الجراح: «وَجَدْتُ أَبَا حَنِيفَةَ خَالَفَ مِائَتَيْ حَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -»، وكان الأوزاعي يقول: وَكَانَ الأَوْزَاعِيُّ يَقُولُ: «إِنَّا لاَ نَنْقِمُ عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ رَأَى؛ كُلُّنَا [يَرَى]؛ وَلَكِنَّنَا نَنْقِمُ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَجِيئُهُ الحَدِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيُخَالِفُهُ إِلَى غَيْرِهِ» (*).

أقول:

أما كلمة الأوزاعي فمعارضته بما قدمته من لعن الإمام من خالف حديث رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وبما ثبت من رجوعه عن رأيه إذ ثبت حديث يخالف ما رأى، أما المخالفة فمعناها اختلاف الأنظار في صلاحية الحديث للاحتجاج أو لاعتبارات أخرى كما قدمت آنِفًا، ومهما يكن من شيء فليس فيما حشده من نقول بتراء محرفة ما يشهد لما قصده من الطعن في الأحاديث الآحادية وأنها لا تفيد إِلاَّ الظن، ولا لما أراد أن يصل


(*) [تَعْلِيقُ مُعِدِّ الكِتَابِ لِلْمَكْتَبَةِ الشَّامِلَةِ]:
انظر:"تاريخ الإسلام " للذهبي، تحقيق الدكتور بشار عوّاد معروف، ٤/ ١٢٠، الطبعة الأولى: ٢٠٠٣ م، نشر دار الغرب الإسلامي، بيروت - لبنان وانظر كذلك " تأويل مختلف الحديث " لابن قتيبة، تحقيق محمد محيى الدين الأصفر، ص ١٠٣، الطبعة الثانية - مزيده ومنقحة ١٤١٩هـ - ١٩٩٩م، نشر المكتب الاسلامي - مؤسسة الإشراق.